للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣)}

الشرح: {وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ:} من المعجزات الباهرات من فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك من الآيات العظام؛ التي لم يظهر الله في غيرهم مثلها. وقيل:

إنها العصا، واليد، فيكون الكلام مقصودا به فرعون، وقومه. وليس بشيء؛ لأنّ الكلام مع بني إسرائيل بعد إهلاك فرعون. {ما فِيهِ بَلؤُا:} فيه أربعة أوجه: أحدها: نعمة ظاهرة، كما قال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [١٧]: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً} وقال زهير: [الطويل]

رأى الله بالإحسان ما فعلا بكم... فأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو

وهذا قاله الحسن، وقتادة. الثاني: عذاب شديد. قاله الفراء. الثالث: اختبار يتميز به المؤمن من الكافر؛ لينظر كيف تعلمون كقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٤٩]: {وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} قاله عبد الرحمن بن زيد، وقال: ابتلاهم بالرخاء، والشدة. وقرأ قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٣٥]: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}.

الإعراب: {وَآتَيْناهُمْ:} الواو: حرف عطف. (آتيناهم): فعل، وفاعل، ومفعول به أول، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {مِنَ الْآياتِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان. {فِيهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {بَلؤُا:} فاعل بمتعلق الجار والمجرور.

{مُبِينٌ:} صفة: {بَلؤُا}. هذا؛ ويجوز اعتبار الجار والمجرور متعلقين بمحذوف خبر مقدم، و {بَلؤُا} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محل لها.

{إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦)}

الشرح: {إِنَّ هؤُلاءِ} أي: كفار قريش؛ لأنّ الكلام فيهم، وقصة فرعون، وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة، والإنذار عن مثل ما حلّ بهم. {لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى:} في هذا الكلام إشكال، وهو: أنّ الكلام وقع في الحياة الثانية، لا في الموت، فهلا قيل: (إن هي إلاّ حياتنا الدنيا الأولى، وما نحن بمنشرين)، كما قيل: {إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} رقم [٢٩] من سورة (الأنعام)، وما معنى ذكر الأولى؟ كأنهم وعدوا موتة أخرى، حتى جحدوها، وأثبتوا الأولى، والجواب: أنه قيل لهم: إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة، كما تقدمتكم موتة تعقبتها حياة، وذلك في قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ}

<<  <  ج: ص:  >  >>