للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣)}

الشرح: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ..}. إلخ: الكلام عليه هنا كما في الآية رقم [٤١]. {يُزْجِي سَحاباً:}

يسوق، ويجري إلى حيث يشاء، والسحاب: الغيوم التي تراها العيون في السماء. {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} أي: يجمعه عند انتشائه؛ ليقوى، ويتصل، ويكثف. وقرئ «(يولّف)» بدون همز، والسحاب واحد في اللفظ، ولكن معناه جمع، وهو غربال الماء. قاله علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه.

هذا، وقيل: السحاب: الغيم فيه الماء، أو لم يكن فيه ماء، ولهذا قيل: سحاب جهام، وهو الخالي من الماء، وأصل السحب: الجر، وسمي السحاب سحابا، إما لجر الريح له، أو لجره الماء، أو لا نجراره في سيره، ووصفه الله ب‍: {الثِّقالَ} في الآية رقم [١٢] من سورة (الرعد)، لثقله بالماء الذي يحمله إلى حيث شاء الله الخلاق العظيم.

هذا؛ وينبغي أن تعلم أن «بين» لا تقع إلا لاثنين فصاعدا، ووقوعها هنا لجماعة السحاب؛ لأنه بمعنى الجمع كما تقول: جلست بين الشجر؛ لأنه جمع، والسحاب مؤلف من قطع ينضم بعضها إلى بعض. {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً} أي: مجتمعا يركب بعضه بعضا، كقوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ} والرّكم: جمع الشيء، يقال: ركم الشيء، يركمه ركما:

إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض، وارتكم الشيء، وتراكم: إذا اجتمع.

{فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} أي: من وسطه وهو مخارج القطر، وقد قال كعب: إن السحاب غربال المطر، ولولا السحاب حين ينزل المطر من السماء؛ لأفسد ما يقع عليه من الأرض. وفي {الْوَدْقَ} قولان: أحدهما: أنه البرق قاله أبو الأشهب العقيلي، ومنه قول الشاعر: [الوافر]

أثرن عجاجة، وخرجن منها... خروج الودق من خلل السحاب

الثاني: أنه المطر قاله الجمهور، قال امرؤ القيس: [الطويل]

فدمعهما ودق، وسحّ، وديمة... وسكب وتوكاف، وتنهملان

وقال عامر بن جوين الطائي: [المتقارب]

فلا مزنة ودقت ودقها... ولا أرض أبقل إبقالها

{وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ:} وفيه معنيان: أحدهما: أن يخلق الله في السماء جبالا من برد، كما خلق في الأرض جبالا من حجر. والثاني: أن يريد الكثرة بذكر الجبال،

<<  <  ج: ص:  >  >>