للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)}

الشرح: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ:} أراد بالفلق: الصبح، وهو قول الأكثرين، ورواية عن ابن عباس-رضي الله عنهما-؛ لأن الليل ينفلق عنه الصبح. وسبب تخصيصه في التعوذ: أن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم، قادر على أن يدفع عن المستعيذ ما يخافه، ويخشاه، والعرب تقول: هو أبين من فلق الصبح، وفرق الصبح. قال الشاعر: [البسيط]

يا ليلة لم أنمها بتّ مرتفقا... أرعى النجوم إلى أن نوّر الفلق

هذا، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: إن الفلق سجن في جهنم. وقال الكلبي: هو واد في جهنم، إذا فتح؛ استعاذ منه أهل النار من حره. ووجهه: أن المستعيذ قال: أعوذ برب هذا العذاب القادر عليه من شر عذابه، وغيره، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: الفلق:

الخلق كله. قال رؤبة بن العجاج: [الرجز]

وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق... سرّا وقد أوّن تأوين العقق

قال القرطبي: وهذا القول يشهد له الاشتقاق، فإن الفلق: الشق، يقال: فلقت الشيء فلقا أي: شققته، والتفليق مثله، يقال: فلقته، فانفلق، وتفلّق. فكل ما انفلق عن شيء من حيوان، وصبح، وحب، ونوى، وماء فهو فلق. قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٩٦]: {فالِقُ الْإِصْباحِ} وقال في الآية قبلها: {فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى} وقال ذو الرمة يصف الثور الوحشي: [البسيط]

حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق... هاديه في أخريات الليل منتصب

فهو يعني بالفلق هنا: الصبح بعينه. والفلق: المطمئن من الأرض بين الربوتين، وجمعه:

فلقان، مثل خلق، وخلقان. وربما قالوا: كان ذلك بفالق كذا وكذا، يريدون المكان المنحدر بين الربوتين. والفلق أيضا: مقطرة السجان، وقد كان، ولا يزال يستعمل في بعض الأحيان لزجر، وتأديب التلاميذ في المدارس، وكلمة: (تحتاج إلى فلقة) مثل من الأمثال الشعبية السائرة. والفلق بكسر الفاء الداهية والأمر العجيب، وشاعر مفلق، وقد جاء بالفلق؛ أي:

بالداهية، والفلق أيضا القضيب يشق باثنين، فيعمل منه قوسان، يقال لكل واحدة منهما: فلق.

انتهى. قرطبي بتصرف.

وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: الفلق ما يفلق عنه؛ أي: يفرق عنه، كالفرق، فعل بمعنى مفعول، وهو يعم جميع الممكنات، فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها، سيما ما يخرج من أصل، كالعيون، والأمطار، والنبات، والأولاد، ويخص عرفا بالصبح، ولذلك فسر به، وتخصيصه

<<  <  ج: ص:  >  >>