{الْغالِبُونَ:} خبر (إنّ) مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. هذا؛ وإن اعتبرت الضمير مبتدأ و {الْغالِبُونَ} خبره، فتكون الجملة الاسمية:{لَنَحْنُ الْغالِبُونَ} في محل رفع خبر (إنّ). هذا؛ ودخلت اللام على ضمير الفصل على الوجه الأول فيه؛ لأنه إذا جاز أن تدخل على الخبر، فدخولها على ضمير الفصل أولى؛ لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر، وأصلها أن تدخل على المبتدأ. هذا؛ وامتنع اعتبار الضمير توكيدا لاسم (إنّ) على المحل، كما في قوله تعالى:{إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ} لوجود اللام الداخلة عليه، والجملة الاسمية:{إِنّا..}. إلخ جواب القسم لا محل لها، والقسم، وجوابه في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَقالُوا..}. معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥)}
الشرح:{فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ:} وفي سورة (الأعراف) وسورة (طه) ألقى عصاه بعد الأمر بذلك بوحي منه سبحانه وتعالى. {فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ} أي: تأخذ، وتبتلع بسرعة بعد قلبها حية عظيمة، ومثله تلقم، وتلهم، واللقف: الأخذ بسرعة، ورجل لقف ثقف؛ أي: خفيف حاذق. وقرئ:
«(تلقّف)» بتشديد القاف، والأصل: تتلقّف بتاءين، فحذفت إحداهما، وقرئ: «(اتّلقف)» بتشديد التاء أيضا، وقراءة حفص بتخفيف القاف، كما رأيت أولا من: لقف، يلقف؛ كعلم، يعلم، وركب، يركب. يقال: لقفت الشيء، ألقفه لقفا، وتلقّفته، أتلقّفه تلقّفا: إذا أخذته بسرعة، فأكلته، أو ابتلعته. هذا؛ والتلقي، والتّلقّف، والتّلقّن معان متقاربة، خلا أن في الأول معنى الاستقبال، وفي الثاني معنى الخطف، والأخذ بسرعة، وفي الثالث معنى الحذق، والمهارة.
{ما يَأْفِكُونَ:} ما يقلبون بتمويههم. هذا؛ وأصل الإفك: قلب الشيء عن وجهه، ومنه قيل للكذاب: أفاك؛ لأنه يقلب الكلام عن وجهه الصحيح إلى الباطل، وهو بهذا المعنى من الباب الرابع، ومصدره: إفك، كعلم، ويغلب مجيء فعله بالبناء للمجهول، ويكون بمعنى الصرف، كقوله تعالى في كثير من الآيات:{فَأَنّى تُؤْفَكُونَ،} وقال تعالى في سورة (الذاريات): {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} ومصدره أفك كضرب، وقد يجيء بالبناء للمعلوم، كما في الآية التي نحن بصدد شرحها، وقوله تعالى:{قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا} وما في الآية بمعنى: الكذب وما في قوله: {لِتَأْفِكَنا} بمعنى: الصرف.
تنبيه: قال ابن زيد: كان اجتماعهم بالإسكندرية، فيقال: بلغ ذنب الحية من وراء البحر، ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا، فإذا هي تبتلع كل شيء أتوا به من السحر، فكانت تبتلع حبالهم وعصيهم، واحدا واحدا حتى ابتلعت الكل، وقصدت القوم الذين حضروا ذلك المجمع، ففزعوا، ووقع الزحام بينهم، فمات منهم في ذلك الزحام خمسة وعشرون ألفا، ثم أخذها موسى، فعادت في يده عصا، كما كانت أول مرة، فلما رأى السحرة ذلك؛ عرفوا أنه من أمر