للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)}

الشرح: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} أي: على السرير الذي كان يوسف يجلس عليه، والرفع النقل إلى العلو. {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} أي: سقط يعقوب وزوجته (ليّا) وبنوه سجدا ليوسف عليه السّلام، وكانت تحية الناس يومئذ السجود وهو الانحناء والتواضع، ولم يرد به حقيقة السجود من وضع من وضع الجبهة على الأرض على سبيل العبادة، وقد استجاز يوسف أن يسجد له أبوه، وهو أكبر منه، وأعلى منصبا في النبوة والشيخوخة بأمر الله تعالى لتحقيق رؤياه التي رأيتها في أول السورة، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣١] من سورة (الحجر)، وقيل: المعنى خروا لأجله سجدا، لله شكرا، وقيل: الضمير في {لَهُ} لله تعالى، والمعتمد الأول.

وقال: {يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ} أي: التي رأيتها في الصغر في نومي. {قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا} أي: حققها في اليقظة، اختلفوا في المدة التي كانت بين رؤياه وتأويلها على أقوال كثيرة، أشهرها أنها كانت ثمانين سنة، وعن الحسن أن عمر يوسف يوم ألقي في الجب كان سبع عشرة سنة، وأقام في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة، وأقام مع أبيه وإخوته وأقاربه ثلاثا وعشرين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة.

وأقام يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة في أحسن حال، ومات بمصر، وأوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق بالشام ففعل، ثم انصرف إلى مصر، قال سعيد بن جبير: نقل يعقوب على نبينا، وعليه أفضل صلاة، وأزكى سلام في تابوت من ساج إلى بيت المقدس، ووافق ذلك يوم مات عيصو أخوه، فدفنا في قبر واحد؛ وكانا قد ولدا في بطن واحد.

{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} أي: أنعم علي، وأحسن بي وإليّ بمعنى واحد. {إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ}:

لم يقل من الجب استعمالا للكرم والمروءة، لئلا يذكر إخوته صنيعهم به بعد عفوه عنهم بقوله:

{لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} ولأن نعمة الله عليه في إخراجه من السجن كانت أعظم من إخراجه من الجب، وسبب ذلك أن خروجه من الجب كان سببا لحصوله في العبودية والرق، وخروجه من السجن كان سببا لوصوله إلى الملك والسيادة والعزة. {وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} أي: من البادية، والبدو في الأصل: البسيط من الأرض، يبدو الشخص فيه من بعد، أي: يظهر، والبدو خلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>