الشرح:{لَقَدْ تابَ}: لقد تجاوز وعفا وصفح. {النَّبِيِّ}: انظر الآية رقم [٧٣]، {وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ}: انظر الآية رقم [١٠٠]، {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ}: المراد بها وقت غزوة تبوك، حيث كانوا في عسرة وضيق، حتى كان العشرة من الرجال يتعاقبون ظهر البعير الواحد، وكان الرجلان يقتسمان تمرة واحدة، واشتد بهم العطش في سفرهم حتى شربوا ما في فرث الحيوانات من الماء، {مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ}: ويقرأ: «(من بعد ما كادت تزيغ قلوب فريق منهم)»، واختلف في معنى «(تزيغ)»، فقيل: تتلف بالجهد، والمشقة والشدة، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أي: تميل عن الحق في الممانعة والنصرة، وقيل: من بعد ما هم فريق منهم بالتخلف والعصيان، ثم لحقوا به: وقيل: همّوا بالقفول، فتاب الله عليهم، وأمرهم به، وثبتهم على الحق والإيمان. انتهى. قرطبي بتصرف. وانظر ما ذكرته بشأن غزوة تبوك في الآية رقم [٣٩] ففيه الكفاية. {ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ}: تكرير للتأكيد، وتنبيه على أنه تاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة. {رَؤُفٌ} أي: بالعباد؛ حيث فتح لهم باب التوبة. والاعتذار، وكلفهم بالعبادات والجهاد، فعرضهم لثواب الغزاة والشهداء، هذا؛ والرأفة أشد الرحمة، و {رَؤُفٌ} صيغة مبالغة، فالله أرأف بعباده من الوالدة بولدها، ومن رأفته: أنه جعل النعيم الدائم جزاء على العمل القليل المتقطع، ومن رأفته أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومن رأفته أشياء كثيرة يعسر حصرها وعدها. وهي معلومة عند ذوي الألباب، {رَحِيمٌ}: صيغة مبالغة من الرحمة.
تنبيه: لقد اختلف في هذه التوبة التي تابها الله على النبي والمهاجرين والأنصار على أقوال كثيرة، أعتمد منها ما قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنها كانت على النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأجل إذنه للمنافقين في القعود عن الجهاد، ودليله الآية رقم [٤٣].
تنبيه،، وفائدة:«كاد» و «يكاد»: فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها، ولذا لم تدخل عليه «أن»؛ لأنه يخلص الفعل للاستقبال، وإذا دخل عليها حرف النفي؛ دل على أن الفعل بعدها وقع، كما في الآية رقم [٧١] من سورة (البقرة)، وإذا لم يدخل عليها حرف نفي لم يكن الفعل بعدها واقعا، ولكنه قارب الوقوع، والفعل منهما واوي العين، فيكاد وزنه: يكود ك «يعلم»، نقلت فتحة الواو إلى الساكن قبلها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ثم قال: تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها الآن، فقبلت ألفا، فصار:«يكاد»، بوزن يخاف، وكاد أصله كود بكسر الواو كخوف، ومصدره الكود كالخوف، وهذا في «كاد» الناقصة، وأما «كاد»