حيث عطف الشاعر (أستدرج) على محل (لعلي)؛ لأن محلها الجزم في جواب الطلب، لكن نسمي العطف في البيت على التوهم، ونجتنب لفظ التوهم في الاية لبشاعته، ونسمي العطف فيها على المعنى. هذا؛ وقرأ أبو عمرو، وابن محيصن، ومجاهد: «(وأكون)» بالنصب عطفا على {فَأَصَّدَّقَ} وهي قراءة سبعية كقراءة الجزم. وقرئ: «(وأكون)» بالرفع، وهي فوق السبعة، وذلك على تقدير:(وأنا أكون) بعد هذا فاسم أكن، أو أكون، أو أكون ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:«أنا». {مِنَ الصّالِحِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبره. هذا؛ وخذ قول عنترة في معلقته رقم [٥٧] وما بعده: [الكامل] هلاّ سألت الخيل يا بنة مالك... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
إذ لا أزال على رحالة سابح... نهد تعاوره الكماة مكلّم
يخبرك من شهد الوقيعة أنّني... أغشى الوغى، وأعفّ عند المغنم
حيث جزم (يخبرك) في جواب التحضيض: (هلاّ).
فائدة: سئلت عدة مرات عن حذف النون من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم (ولا تؤمنوا) في الحديث الذي يرويه أبو هريرة-رضي الله عنه-، ونصه:«لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم». رواه مسلم، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، والجواب: أنّ «لا تؤمنوا» معطوف على معنى: «لن تدخلوا الجنة...» إلخ، ولا نقول بالعطف على توهم (لن) لبشاعته كما تجنبت ذلك في الاية الكريمة. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الشرح:{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها} أي: ولن يمهل الله أحدا أيا كان إذا انتهى أجله، ولن يزيد في عمره. وفيه تحريض على المبادرة بأعمال الطاعات؛ حذرا أن يجيء الأجل؛ وقد فرط، ولم يستعد للقاء ربه. وفي كثير من الايات قوله تعالى:{إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}. هذا؛ وأما قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«من أحبّ أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه». رواه البخاري، ومسلم عن أنس-رضي الله عنه-، حيث فسر «ينسأ له في أثره». فيؤخر له في أجله، فإن الزيادة في الرزق، والأجل مؤولة بالبركة. وعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: ذكرنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزيادة في العمر، فقال:«إنّ الله لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها، وإنما الزيادة في العمر أن يرزق الله العبد ذرّيّة صالحة يدعون له، فيلحقه دعاؤهم في قبره». أخرجه ابن أبي حاتم.