للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَنْ:} (الواو): حرف استئناف، وقال الزمخشري، والجمل: واو الاعتراض. (من):

اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يَتَّقِ:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل يعود إلى (من). {بِاللهِ:} منصوب على التعظيم. {يَجْعَلْ:} جواب الشرط، والفاعل يعود إلى (من) أيضا. {لِلّهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني تقدم على الأول. {مَخْرَجاً:} مفعول به، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه كما رأيت في الاية السابقة، والجملة الاسمية لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الواو. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)}

الشرح: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ينجيه من كل كرب في الدنيا والاخرة. وقال عمر بن عثمان الصدفي في تفسير ذلك: فيقف عند حدوده، ويجتنب معاصيه؛ يخرجه من الحرام إلى الحلال، ومن الضيق إلى السعة، ومن النار إلى الجنة. وقال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي: إنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي-رضي الله عنه-: روى الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! إن ابني أسره العدو، وجزعت الأم، فما تأمرني؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم، «اتق الله، واصبر، وآمرك، وإيّاها أن تستكثرا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله». فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرني وإياك أن نستكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله! فقالت: نعم ما أمرنا به! فجعلا يقولان، فغفل العدوّ عن ابنه، فساق غنمهم، وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت الاية الكريمة، وجعل النبي تلك الأغنام له؛ وكان فقيرا. انتهى. قرطبي.

هذا؛ وروى الحسن عن عمران بن الحصين؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من انقطع إلى الله، كفاه الله كلّ مؤونة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها». رواه ابن أبي حاتم. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لزم الاستغفار؛ جعل الله له من كلّ همّ فرجا، ومن كلّ ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب». رواه أبو داود، والنسائي، وغيرهما. وينبغي أن تعلم: أن الإخراج من الضيق والكرب في الدنيا، والاخرة، والرزق من حيث لا يحتسب العبد وعد من الله العزيز الحكيم العليم الخبير، ولكن إنجازه مشروط بتقوى الله، ومراعاة حدوده، واجتناب معاصيه، كما رأيت آنفا. ومعنى {لا يَحْتَسِبُ} أي: من وجه لا يخطر بباله، ولا يحتسبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>