للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل نصب مفعول به ثان. {لَمْ:}

حرف نفي، وقلب، وجزم. {تَكُونُوا:} فعل مضارع ناقص مجزوم ب‍ {لَمْ} وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو اسمه، والألف للتفريق، وجملة: {تَعْلَمُونَ} في محل نصب خبره، وجملة: {لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} صلة {ما} أو صفتها، والعائد أو الرابط محذوف، التقدير: يعلمكم الذي، أو: شيئا لم تكونوا تعلمونه.

{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاُشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢)}

الشرح: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: معناه: اذكروني بطاعتي؛ أذكركم بمعونتي.

وقيل: اذكروني في النعمة، والرّخاء؛ أذكركم في الشدّة والبلاء. وقال أهل المعاني: اذكروني بالتّوحيد، والإيمان؛ أذكركم بالجنان، والرّضوان، وقيل: اذكروني بالإخلاص؛ أذكركم بالخلاص، وقيل غير ذلك.

هذا؛ وقال أرباب المعاني: ربط سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النّعمة؛ حيث قال:

{يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ..}. إلخ الآية رقم [٤٠]، وأسقطه عن أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ودعاهم إلى ذكره، فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ليكون نظر الأمم من النّعمة إلى المنعم، ونظر أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم من المنعم إلى النّعمة. وقال بعض العارفين: عبيد النّعم كثيرون، وعبيد المنعم قليلون، فالله تعالى ذكّر بني إسرائيل بنعمه عليهم؛ حتّى يعرفوا منها المنعم. فقال: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ..}. إلخ، وأما أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فقد ذكّرهم بالمنعم، فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ليتعرفوا من المنعم على النّعمة، وشتّان ما بين الأمرين. هذا؛ وانظر الشكر في الآية رقم [٥٢]. {وَلا تَكْفُرُونِ} أي: لا تجحدون، وسمّي الجحود كفرانا؛ لأنه مثل الكفر في التغطية، والستر، وقلب الشيء عن وجهه.

بعد هذا فقد جعل الله لكل طاعة، وعبادة أولا وآخرا إلا الذكر، فإنّه لا أوّل له، ولا آخر، قال تعالى في سورة (الجمعة): {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ،} وقال تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٣٥]: {وَالذّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذّاكِراتِ} أي: كثيرا، وقال فيها أيضا رقم [٤١]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً} وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لم يفرض الله-عز وجل-على عباده فريضة إلا وجعل لها حدّا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر؛ غير الذّكر، فإنّه لم يجعل له حدّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه، إلا مغلّبا على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلّها، فقال تعالى في سورة النساء رقم [١٠٣]: {فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ} وقال جل ذكره: {اُذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً} يعني: باللّيل والنّهار، في البرّ والبحر، في الصّحة والمرض، في السرّ والعلانية، وقيل: الذّكر الكثير هو أن لا ينساه أبدا. وخذ ما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>