أن يضلكم. قال القرطبي-رحمه الله تعالى-وهذا مما يدل على بطلان مذهب المعتزلة والقدرية ومن وافقهما؛ إذ زعموا أن الله تعالى لا يريد أن يعصي العاصي، ولا يكفر الكافر، ولا يغوي الغاوي، وأنه يفعل ذلك، والله لا يريد ذلك، وأضاف نوح عليه السّلام إغواءهم إلى الله سبحانه وتعالى؛ إذ هو المضل الهادي، سبحانه وتعالى عما يقول الجاحدون، والظالمون علوا كبيرا. انتهى. بتصرف كبير. هذا؛ وقد تقدم في الآية رقم [٨٨] من سورة (النساء) وغيرها أن ذلك مبني على علم الله الأزلي: أنهم لو تركوا وشأنهم؛ لما اختاروا غير الكفر، ولذا قدره الله عليهم، وأراده لهم، وانظر الآية رقم [٢٩] من سورة (الرعد)، وانظر الآية رقم [١٧] من سورة (الفرقان)؛ تجد ما يسرك.. {هُوَ رَبُّكُمْ}: خالقكم، والمتصرف فيكم وفق إرادته ومشيئته.
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}: فيجازيكم على أعمالكم يوم القيامة، ففيه تهديد، ووعيد، وانظر (رجع) في الآية رقم [٨٣] من سورة (التوبة)، و {أَنْصَحَ} مثل (أشكر) في الآية رقم [٦٠] من سورة (يونس).
تنبيه: في الآية الكريمة شرطان، وجواب واحد، وفي ذلك قولان: أحدهما: أن جواب الأول سبقه ما هو جواب في المعنى، فإن التقدير: إن أردت أن أنصح لكم؛ فلا ينفعكم نصحي، والثاني: أن الشرط الثاني وجوابه جواب للأول، وخذ ما قاله أبو البقاء رحمه الله تعالى: حكم الشرط إذا دخل على الشرط أن يكون الشرط الثاني، والجواب جوابا للشرط الأول، كقولك: إن أتيتني، إن كلمتني أكرمتك، فقولك: إن كلمتني أكرمتك جواب: إن أتيتني، وإذا كان كذلك صار الشرط الأول في الذكر مؤخرا في المعنى، حتى لو أتاه، ثم كلمه؛ لم يجب الإكرام، ولكن إن كلمه، ثم أتاه؛ وجب إكرامه، وعلة ذلك: أن الجواب صار معوقا بالشرط الثاني، وقد جاء في القرآن منه قوله تعالى:{إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها..}. إلخ الآية رقم [٥٠] من سورة (الأحزاب). انتهى. هذا؛ ومثل الآية الكريمة قول الشاعر، وهو الشاهد [١٠٤١] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط]
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا... منّا معاقل عزّ زانها كرم
وأضيف ما قاله سليمان الجمل-رحمه الله تعالى-وإن زاد على شرطين (أي: حكمه حكم الشرطين) وعلى هذا يترتب الحكم، مثاله: أن يقول لعبده: إن كلمت زيدا، إن دخلت الدار، إن أكلت الخبز، فأنت حرّ، فجواب الشرط الثالث أنت حر، والثالث وجوابه جواب للثاني،