الشرح:{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا:} رسول الله صلّى الله عليه وسلّم-وهم أهل مكة-بالإيذاء، والتكذيب. {ذَنُوباً} أي: نصيبا من العذاب. {مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ} أي: مثل نصيب أصحابهم، ونظائرهم؛ الذين هلكوا قبلهم، مثل قوم نوح، وثمود، وعاد، وغيرهم. قال ابن الأعرابي: يقال: يوم ذنوب؛ أي: طويل الشر لا ينقضي، وأصل الذنوب في اللغة: الدلو العظيمة، فاستعير للنصيب من (العذاب)، وكانوا يستقون الماء، فيقسمون ذلك على الأنصباء، فقيل للذنوب: نصيبا من هذا، قال الراجز:[الرجز] إنّا إذا شاربنا شريب... له ذنوب ولنا ذنوب
فإن أبى كان له القليب
وقال علقمة بن عبدة من قصيدة مدح بها الحارث بن أبي شمر الغساني، وكان أخوه شاس أسيرا عنده:[الطويل] وأنت الّذي آثاره في عدوّه... من البؤس والنعمى لهنّ ندوب
وفي كلّ حيّ قد خبطت بنعمة... فحقّ لشأس من نداك ذنوب
والذنوب: الدلو الملأى ماء، تؤنث، وتذكر، ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب، والجمع في القليل: أذنبة، والكثير: ذنائب: مثل: قلوص، وقلائص. انظر ما ذكرته تبعا لشرح (كأس) في الاية رقم [٢٣] من سورة (الطور). {فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} أي: فلا يستعجلون نزول العذاب بهم؛ لأنهم قالوا:{اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} رقم [٣٢] من سورة (الأنفال)، فنزل بهم يوم بدر ما حقق به وعده، وعجل بهم انتقامه، ثم لهم في الاخرة العذاب الدائم، والخزي القائم؛ الذي لا انقطاع له، ولا نفاد، ولا غاية، ولا آباد، وانظر شرح العجلة في الاية رقم [١٦] من سورة (القيامة).
الإعراب:{فَإِنَّ:} الفاء: حرف استئناف. (إنّ): حرف مشبّه بالفعل، {لِلَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (إنّ) مقدم. {ظَلَمُوا:} ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها. {ذَنُوباً:} اسم: (إنّ) مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها. {مِثْلَ:} صفة: {ذَنُوباً،} وهو مضاف، و {ذَنُوبِ} مضاف إليه. و {ذَنُوبِ:} مضاف، و {أَصْحابِهِمْ} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة.
{فَلا:} الفاء: حرف عطف على رأي من يجيز عطف الإنشاء على الخبر، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ما ذكر