للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني حذف من الأول، ولم يضمر؛ لأن إضماره يختص بالشعر، أو قليل في الكلام على اختلاف النحويين في ذلك. انتهى جمل بتصرف بسيط.

أقول: إني أرى: أن الفعل {أَرَأَيْتُمْ} معلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، وجواب الشرط محذوف لدلالة جملة الاستفهام عليه، وأن الجملة: {ماذا يَسْتَعْجِلُ..}. إلخ على جميع وجوه الإعراب التي رأيتها فيها قد سدت مسد المفعولين، وما بينهما كلام معترض لا محل له أعطى الكلام تأكيدا وتسديدا، ولا حاجة إلى هذا التكلف والتعسف، والله الموفق والمعين، وبه أستعين.

{أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١)}

الشرح: {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ}: المعنى: إن أتاكم عذاب الله ليلا أو نهارا آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان، وهذا على أن الكلام مرتبط بما قبله، أو المعنى: أتأمنون أن ينزل بكم العذاب، ثم يقال لكم إذا حل: الآن آمنتم به، وهو أوجه من الأول. {وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} أي: تطلبون العذاب استهزاء، وتكذيبا.

أما (الآن): فهي كلمة ملازمة للظرفية غالبا، مبنية على الفتح دائما، لتضمنها معنى الإشارة وألفها منقلبة عن واو، لقولهم في معناها الأوان، وقيل: عن ياء؛ لأنه من آن يئين: إذا قرب، وقيل: أصله أوان قلبت الواو ألفا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، ورد بأن الواو قبل الألف لا تقلب كالجواد والسواد، وقيل: حذفت الألف، وغيرت الواو، إلى الألف، كما قالوا: راح ورواح، استعملوه مرة على فعل، ومرة على فعال، كزمن وزمان، وقد جاءت {آلْآنَ} بهمزتين:

الأولى: همزة الاستفهام، والثانية: همزة (ال) المعرفة، وإذا اجتمعت هاتان الهمزتان وجب في الثانية أحد أمرين: تسهيلها من غير ألف بينها وبين الأولى، وإبدالها مدّا بقدر ثلاث ألفات على حد قول ابن مالك رحمه الله تعالى: [الرجز]

وايمن همز ال كذا ويبدل... مدّا في الاستفهام، أو يسهّل

وقد وقع في القرآن الكريم من هذا القبيل ستة مواضع: اثنان في الأنعام، وهما {آلذَّكَرَيْنِ} مرتين، وثلاثة في هذه السورة لفظ {آلْآنَ} هنا وفيما سيأتي الآية رقم [٩١] ولفظ {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} في الآية رقم [٥٨]، وواحد في النمل {آللهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ} الآية رقم [٥٩]، ولولا المد في هذه الكلمات لم يظهر الاستفهام، ويسمى هذا المد في أحكام التجويد مد الفرق؛ لأنه يفرق بين الاستفهام والخبر؛ لأنه لولا المد لتوهم أنه خبر لا استفهام.

الإعراب: {أَثُمَّ}: الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ وتقرير. (ثم): حرف عطف. {إِذا}: انظر الآية رقم [١٢]، {ما}: زائدة مفيدة للتوكيد. {وَقَعَ}: ماض، وفاعله مستتر تقديره: «هو» يعود

<<  <  ج: ص:  >  >>