الشرح:{أَفَلَمْ يَرَوْا..}. إلخ: أعلم الله تعالى الكفار: أن الذي قدر على خلق السموات، والأرض، وما فيهن قادر على البعث، وعلى تعجيل العقوبة لهم، فاستدل بقدرته عليهم، وأن السموات والأرض ملكه، وأنهما محيطتان بهم من كل جانب؛ فكيف يأمنون الخسف، والكسف، كما فعل بقارون، وأصحاب الأيكة قوم شعيب، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. والمعنى: أعموا، فلم ينظروا إلى السماء والأرض، وأنهما حيثما كانوا، وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم، لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما، وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله عز وجل، ولم يخافوا أن يخسف الله بهم، أو يسقط عليهم كسفا؛ لتكذيبهم الآيات، وكفرهم بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، وبما جاء به، كما فعل بقارون، وأصحاب الأيكة؟
{إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: النظر إلى السماء، والأرض، والتفكر فيهما، وما تدلان عليه من قدرة الله تعالى. {لَآيَةً:} لدلالة، وعلامة. {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} أي: راجع إلى ربه، مطيع له؛ إذ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شيء من البعث، والحساب، ومن عقاب من يكفر به. وخص المنيب بالذكر؛ لأنه هو الذي ينتفع بالتفكر في حجج الله، وآياته.
هذا؛ والتعبير عن الأمام، والخلف بقوله تعالى:{ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} كثير في القرآن الكريم، وإن اختص كل موضع بتفسير حسب مقتضيات الأحوال، واختلافها، فمثلا قوله تعالى:
{يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} في الآية رقم [٢٨] من سورة (الأنبياء) يفسر بغير ما في هذه الآية، وكذلك الآية رقم [١١٠] من سورة (طه) وكلتاهما تخالفان معنى قوله تعالى: {لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا} الآية رقم [٦٤] من سورة (مريم) على نبينا، وحبيبنا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام.
وهكذا، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. وليعلم: أن الأفعال «نشأ، نخسف، نسقط» تقرأ بالنون، والياء، و {كِسَفاً} يقرأ بفتح السين، وسكونها، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٨] من سورة (الروم).
الإعراب:{أَفَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام. الفاء: حرف عطف، أو حرف استئناف. (لم):
حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَرَوْا:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم)، وعلامة جزمه حذف النون، لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والفعل بصري، فلذا اكتفى بالجار والمجرور بعده. {إِلى:} حرف جر. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل جرّ ب: {إِلى} والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محلّ نصب مفعوله. {بَيْنَ:} ظرف