يستحقّ الصّافح من العجز اسم (الحليم)، إنّما (الحليم) الصّفوح مع القدرة على الانتقام، المتأنّي الّذي لا يعجّل بالعقوبة.
الإعراب: {قَوْلٌ:} مبتدأ. {مَعْرُوفٌ:} صفة له. {وَمَغْفِرَةٌ:} معطوف على ما قبله.
{خَيْرٌ:} خبر المبتدأ، {مِنْ صَدَقَةٍ:} متعلقان ب {خَيْرٌ}. {يَتْبَعُها:} فعل مضارع. و (ها):
مفعول به. {أَذىً:} فاعله مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدّرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والألف الثابتة دليل عليها، وليست عينها، (الله) مبتدأ. {غَنِيٌّ حَلِيمٌ:} خبران له، والجملة الاسمية مستأنفة، أو معترضة في آخر الكلام لا محلّ لها.
هذا؛ وقال أبو البقاء، والقرطبي، ومكّي أوجها أخر في الإعراب: منها اعتبار خبر {قَوْلٌ} محذوفا، التقدير: قول معروف أولى، أو أمثل من غيره. وقال القرطبيّ: قال النحاس: ويجوز أن يكون {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} خبر ابتداء محذوف، أي: الذي أمرتم به قول معروف، وعليه ف {وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ..}. إلخ: مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، وما قدّمته من الإعراب أقوى، وأولى، وهو ما في شرح ابن عقيل، والله وليّ التوفيق، وبه أستعين.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)}
الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ..}. إلخ: المراد: ثواب صدقاتكم. قال جمهور العلماء في هذه الآية: إنّ الصدقة التي يعلم الله من صاحبها: أنّه يمنّ ويؤذي بها؛ فإنها لا تقبل.
وقيل: بل قد جعل الله للملك عليها أمارة، فهو لا يكتبها، وقال بعض البلغاء: من منّ بمعروفه؛ سقط شكره، ومن أعجب بعمله؛ حبط أجره. قال أبو بكر الورّاق، فأحسن: [مجزوء الرجز]
أحسن من كلّ حسن... في كلّ وقت وزمن
صنيعة مربوبة... خالية من المنن
وقد وردت أحاديث شريفة بالنهي عن المنّ في الصّدقة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذرّ -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنّان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». وعن أبي الدّرداء-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة عاقّ، ولا منّان، ولا مدمن خمر، ولا مكذّب بقدر». رواه ابن مردويه، وأخرجه أحمد، وابن ماجة.