وقيل: تحريم الأمهات، والبنات، والأخوات، فإنّه مجمع على تحريمهن. وقيل: لم يبعث الله نبيا إلاّ وصاه بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإقرار لله تعالى بالوحدانية، والطاعة.
فكان المعنى:، أوصيناك يا محمد بما أوصينا به نوحا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى في الأصول التي لا تختلف فيها الشرائع، وهي: التوحيد، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال، والطاعات التي تهذب القلب، والجوارح، والصدق، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وتحريم الكفر، والقتل، والزنى، والإذاية للخلق، فهذا كله مشروع دينا واحدا، وملة واحدة، لم تختلف على ألسنة الأنبياء، وإن اختلفت أعدادهم، وأزمانهم، وأماكنهم.
واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله مما اقتضت المصلحة، وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم. والمراد: فروع الشرائع، وهو فحوى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
«الأنبياء بنو علاّت» وفي رواية أخرى: «نحن معشر الأنبياء، أولاد علاّت ديننا واحد». وفحوى هذا: أنّ الأصل، وهو الأب واحد، واختلاف الأمهات يعني: اختلاف فروع الشرائع. وفي الحديث استعارة ظاهرة لا خفاء فيها. وانظر الإعراب يظهر المعنى، أوضح.
فائدة:
الرسل الخمسة المذكورون في هذه الآية هم أصحاب الشرائع المعظمة المستقلة المتجددة، فكل واحد منهم له شرع جديد، ومن عداهم من الرسل إنّما كان يبعث بتبليغ شرع من قبله، فشيث، وإدريس بعثا بتبليغ شرع آدم. ومن بين نوح وإبراهيم، وهما هود وصالح بعثا بتبليغ شرع نوح، ومن بين إبراهيم وموسى بعثوا بتبليغ شرع إبراهيم. ومن بين موسى، وعيسى بعثوا بتبليغ شرع موسى.
وأمّا آدم فكان شرعه تنبيها على بعض الأمور، واقتصارا على ضرورات المعاش، وأخذا بوظائف الحياة، والبقاء، واستمرّ ذلك إلى نوح، فبعثه الله بتحريم الأمهات، والبنات، والأخوات، ووظّف عليه الواجبات، وأوضح له الآداب، والديانات، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل، ويتناصر بالأنبياء-صلوات الله، وسلامه عليهم-واحدا بعد واحد، وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا، على لسان أكرم الرسل نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم. انتهى. جمل. والرسل المذكورون في هذه الآية هم أولو العزم، وسموا بذلك؛ لأنّهم تحمّلوا المشاق أكثر من غيرهم، وصبروا على ما نالهم من إيذاء قومهم بعد أن تصدّوا لهدايتهم. وقد جمعهم بعضهم بقوله:[الطويل]
محمد إبراهيم موسى كليمه... فعيسى فنوح هم أولو العزم والعلم
{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} أي: عظم، وشقّ عليهم ما تدعوهم إليه من التوحيد، وعبادة الله تعالى، ورفض عبادة الأوثان. {اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ} أي: يصطفي، ويختار لدينه، وتوحيده وعبادته من يشاء من عباده. {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} أي: يوفق لما ذكر من