الشرح:{يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ}: الضمير مراد به النبي صلّى الله عليه وسلّم، وجمع معه الصحابة تشريفا، وتكريما لهم. {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}: اختلفوا في معنى الضمير إلى ماذا يعود، فقيل: الضمير عائد على (الله) تعالى؛ لأن رضا الله في رضا رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى: والله ورسوله أحق أن يرضوه بالتوبة والإخلاص، وقيل: معناه: والله أحق أن يرضوه، وكذلك رسوله، ومذهب سيبويه أن التقدير: والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه، فحذف الثاني لدلالة الأول عليه، وقيل غير ذلك، ومذهب سيبويه أولى بالاعتبار معنى وإعرابا، وانظر الآية رقم [١٨] من سورة (المائدة). {إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ}: حقا وصدقا فليرضوا الله ورسوله.
تنبيه: قال قتادة والسدي: اجتمع ناس من المنافقين، فيهم الجلاس بن سويد، ووديعة بن ثابت، فيهم غلام من الأنصار، يدعى عامر بن قيس، فحقروه، ثم تكلموا، فقالوا: إن كان ما يقول محمد حقّا لنحن شرّ من الحمير، فغضب الغلام، وقال: والله إنما يقول حق، وأنتم شر من الحمير، ثم أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأخبره بمقالهم، فدعاهم، وسألهم، فأنكروا. وحلفوا أن عامرا كاذب، وحلف عامر: أنهم كذبة، فصدقهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعل عامر يدعو، ويقول: اللهم لا تفرق بيننا حتى يتبين صدق الصادق، وكذب الكاذب، فأنزل الله الآية الكريمة.
وقال مقاتل والكلبي: نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك، فلما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتوه يعتذرون، ويحلفون، فأنزل الله هذه الآية.
الإعراب:{يَحْلِفُونَ}: فعل وفاعل. {بِاللهِ}: متعلقان بما قبلهما. {لَكُمْ}: متعلقان بما قبلهما. {لِيُرْضُوكُمْ}: مضارع منصوب ب «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: فاعله، والكاف: مفعول به، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: فعلوا ذلك لإرضائكم، وهذه الجملة جواب {يَحْلِفُونَ} لا محل لها، وقيل: اللام واقعة في جواب القسم، وكسرت لما لم يؤكد الفعل بالنون، وهذا القول عزاه ابن هشام في مغنيه لأبي الحسن الأخفش، وقال: وافقه أبو علي الفارسي على ذلك، وقد أورد الآية الكريمة، والآية رقم [١١٣] من سورة (الأنعام)، تأييدا للشاهد [٣٧٩]، من كتابنا:«فتح القريب المجيب»،