{إِنْ:} حرف مشبّه بالفعل. {فِي ذلِكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر: {إِنْ} مقدم، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محلّ له. {لَآياتٍ:} اللام: لام الابتداء.
(آيات): اسم: {إِنْ} مؤخر منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنّه جمع مؤنث سالم. {لِكُلِّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة: (آيات)، و (كل): مضاف، و {صَبّارٍ:}
مضاف إليه، وهو صفة لموصوف محذوف؛ إذ التقدير: لكل إنسان صبار. {شَكُورٍ:} صفة ثانية، والجملة الاسمية: {إِنَّ فِي ذلِكَ..}. إلخ مستأنفة، أو تعليلية لا محلّ لها على الاعتبارين.
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤)}
الشرح: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ} أي: يغرقهن بعصف الريح بأهلهن. {بِما كَسَبُوا} أي: من الذنوب.
والمعنى: إن يشأ يسكن الريح، فيركدن، أو يعصفها، فيغرقن بعصفها. {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ:} من أهلها فلا يغرقهم معها. حكاه الماوردي. وقيل: المعنى: ويتجاوز عن كثير من الذنوب، فينجيهم الله من الهلاك. و {وَيَعْفُ:} معطوف على جواب الشرط، واستشكله القشيري، وقال:
لأنّ المعنى: إن يشأ يسكن الريح، فتبقى تلك السفن رواكد، أو يهلكها بذنوب أهلها. فلا يحسن عطف {وَيَعْفُ} على هذا؛ لأنّ المعنى يصير: إن يشأ يعف، وليس المعنى على ذلك، بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة، فهو عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى. وقد قرأ قوم: «(ويعفو)» بالرفع، وهي جيدة في المعنى، كما قرئ بالنصب بإضمار أنّ بعد الواو كما قرئ: (يعلم) الآتي بالأوجه الثلاثة. ويكون قد عطف هذا المصدر المؤول من: «أن» المضمرة والفعل المضارع على مصدر متوهم من الفعل قبله، تقديره: أو يقع إيباق، وعفو عن كثير. فقراءة النصب كقراءة الجزم في المعنى؛ إلاّ أنّ في هذه عطف مصدر مؤول على مصدر متوهم، وفي تيك عطف فعل على مثله. انتهى. جمل نقلا من السمين.
هذا؛ ويعفو: يصفح، ويتجاوز، وهو كثير في القرآن بهذا المعنى كما يأتي: «عفا» بمعنى:
الكثرة، قال تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا} سورة (الأعراف) رقم [٩٥] أي:
حتى كثروا ونموا في أنفسهم، وأموالهم، من قولهم: عفا النبات، وعفا الشحم، والوبر: إذا كثر، قال الحطيئة: [الطويل]
بمستأسد الغربان عاف نباته... بأسوق عافيات الشّحم كوم
وعفا المنزل، يعفو عفاء؛ إذا انمحت آثاره، وذهبت معالمه. قال الشاعر-وهذا هو الشاهد رقم [٤٩٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]
وبالصّريمة منهم منزل خلق... عاف تغيّر إلاّ النّؤي والوتد