للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أهل المعاني: والينا، وتابعنا، وأنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضا وعدا، ووعيدا، وقصصا، وعبرا، ونصائح، ومواعظ إرادة أن يتذكروا، فيفلحوا. وهذا القول أعم، وأتم، وأصلها من:

وصل الحبال بعضها ببعض، فاستعير لإنزال القرآن متتابعا يتلو بعضه بعضا، قال الشاعر: [الطويل] فقل لبني مروان ما بال ذمّتي... بحبل ضعيف ما يزال يوصّل؟!

والضمير في: {لَهُمُ} لقريش، وهو المعتمد، فتكون الآية ردا على من قال: هلا أوتي محمد القرآن جملة واحدة. وقيل: الضمير لليهود، فيكون المراد بتوصيل القول لهم: إرسال الرسل إليهم من بني إسرائيل؛ حتى تم بإرسال محمد صلّى الله عليه وسلّم. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ:} لعلهم يتعظون بالقرآن الكريم عن عبادة الأصنام، ويخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم. وعلى رد الضمير لليهود يكون المعنى: لعلهم يتذكرون: أن محمدا هو المبشر به في التوراة، والإنجيل فيؤمنوا به، ويتبعوه، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَلَقَدْ:} انظر الآية رقم [٤٣]. {وَصَّلْنا:} فعل، وفاعل. {لَهُمُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {الْقَوْلَ:} مفعول به، وجملة: {(لَقَدْ وَصَّلْنا...)} إلخ جواب القسم المقدر لا محل لها، والقسم، وجوابه كلام مستأنف لا محل له. {لَعَلَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {يَتَذَكَّرُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (لعل)، والجملة الاسمية مفيدة للتعليل، لا محل لها.

{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢)}

الشرح: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ} أي: من قبل القرآن، أو من قبل محمد صلّى الله عليه وسلّم. نزلت هذه الآية والتي بعدها في مؤمني أهل الكتاب من اليهود، كعبد الله بن سلام، وأصحابه. ويدخل فيه من أسلم من النصارى، وهم أربعون رجلا قدموا مع جعفر بن أبي طالب المدينة، اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة، وثمانية أقبلوا من الشام، وكانوا أئمة النصارى، فلما رأوا ما بالمسلمين من الفقر، والحاجة، قالوا: يا رسول الله: إن لنا أموالا، فإن أذنت لنا انصرفنا، فجئنا بأموالنا، فواسينا بها المسلمين؟ فأذن لهم، فانصرفوا، فأتوا بأموالهم، فواسوا بها المسلمين، فنزلت الآيات الأربع. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٨٥] من سورة (المائدة)، فهو وثيق الصلة والمعنى بما في هذه الآيات.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت الآيات في ثمانين من أهل الكتاب: أربعون من نجران، واثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام. وعن رفاعة القرظي: نزلت في عشرة، أنا أحدهم. وقال القرطبي: وقال عروة بن الزبير-رضي الله عنهما-: نزلت في

<<  <  ج: ص:  >  >>