وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: إن الرياح ثمان: أربع منها عذاب، وهي القاصف، والعاصف، والصرصر، والعقيم. وأربع منها رحمة، وهي: الناشرات، والمبشرات، والمرسلات، والذاريات. {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يعني: أمام المطر الذي هو رحمته سبحانه وتعالى؛ وإنما سماه رحمة؛ لأنه سبب لحياة الأرض. هذا؛ و {بَيْنَ يَدَيْ} بمعنى: أمام، وقدام مستعمل في القرآن الكريم بكثرة، وكل ذلك من باب الاستعارة. {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً:}
انظر الآية رقم [٣٠] من سورة (الأنبياء). {طَهُوراً:} مطهرا، قال تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} وهو اسم لما يتطهر به، كالوضوء والوقود بفتح الواو، لما يتوضأ به، ويوقد به، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«التّراب طهور المؤمن طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعا، إحداهنّ بالتّراب». ووصف الماء به إشعار بالنعمة فيه، وتتميم للنعمة فيما بعده، فإن الماء الطهور أنفع وأهنأ مما خالطه ما يزيل طهوريته. هذا؛ والطهور بضم الطاء: المصدر، ولا تنس: الالتفات في الآية من الغيبة إلى جمع المتكلم.
الإعراب:{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ:} هذه الجملة مثل الجملة في الآية السابقة في إعرابها.
{بُشْراً:} حال من الرياح، وقيل: مفعول مطلق، وهذا على قراءته بالنون؛ لأن أرسل وأنشر متقاربان في المعنى. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق ب {بُشْراً،} أو بمحذوف صفة له، و {بَيْنَ} مضاف، و {يَدَيْ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء لأنه مثنى لفظا، وحذفت النون للإضافة، و {يَدَيْ:} مضاف، و {رَحْمَتِهِ} مضاف إليه، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {وَأَنْزَلْنا:} الواو: حرف استئناف. (أنزلنا): فعل، وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، والالتفات يمنع العطف. {مِنَ السَّماءِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، ويجوز تعليقهما بمحذوف حال من {السَّماءِ،} كان صفة له فلمّا قدّم عليه؛ صار حالا. {السَّماءِ:} مفعول به. {طَهُوراً:} صفة له.
الشرح:{لِنُحْيِيَ بِهِ:} بالمطر. {بَلْدَةً مَيْتاً} أي: بالجدب، والمحل، وعدم النبات. قال كعب: المطر روح الأرض يحييها الله به، وقال في سورة (الحج): {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} وإنما ذكر {مَيْتاً؛} لأن البلدة في معنى البلد. قاله الزجاج، وقيل: أراد بالبلدة المكان، وقد أنثها الأعشى في قوله:[البسيط]
وبلدة مثل ظهر التّرس موحشة... للجنّ باللّيل في حافاتها زجل