{إِنَّ سَعْيَكُمْ:} عملكم؛ إذ السعي العمل، فساع في فكاك نفسه، وساع في هلاكها. يدل عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«الناس غاديان: فمبتاع نفسه، فمعتقها، وبائع نفسه، فموبقها». {لَشَتّى:}
مختلف. واحده: شتيت، مثل: مريض، ومرضى، وإنما قيل للمختلف: شتى؛ لتباعد ما بين بعضه، وبعضه، والشتان: الافتراق. قال تعالى في وصف المنافقين:{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى} رقم [١٤] من سورة (الحشر) والمعنى: إن عملكم لمتباعد بعضه من بعض؛ لأن بعضه ضلالة، وبعضه هدى؛ أي: فمنكم مؤمن، وبر، وكافر، وفاجر، ومطيع، وعاص، ومختلف الجزاء أيضا، فمنكم مثاب بالجنّة، ومنكم معاقب بالنار. وقيل: أي: لمختلف الأخلاق، فمنكم راحم، ومنكم قاس، ومنكم حليم، ومنكم طائش، ومنكم جواد، ومنكم بخيل... إلخ.
الإعراب: {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى:} انظر إعراب {وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها} في سورة (الشمس) ففيها الكفاية. {وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} انظر إعراب {وَالسَّماءِ وَما بَناها} في سورة (الشمس) مع العلم:
أن (ما) إن كانت بمعنى: «من» فهي كناية عن الله تعالى، و {الذَّكَرَ} مفعول به، وإن كانت كناية عن المخلوق، فهي مصدرية، و {الذَّكَرَ} بدل من «من». انتهى. أبو البقاء. هذا؛ وأجاز الفراء خفض {الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} على البدل من (ما) وجعلها بمعنى «الذي». مكي. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل.
{سَعْيَكُمْ:} اسم {إِنَّ،} والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله.
{لَشَتّى:} اللام: هي المزحلقة. (شتى): خبر {إِنَّ} مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الاسمية جواب القسم:{وَاللَّيْلِ..}. إلخ وما عطف عليه. وانظر تفصيل الإعراب في سورة (الشمس) وسورة (المرسلات) و (الذاريات).
الشرح:{فَأَمّا مَنْ..}. إلخ: بيان، وتفصيل لتلك المساعي المختلفة، وتبيين لأحكامها، و {مَنْ أَعْطى} يتناول إعطاء حقوق المال، وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى. يقال: فلان أعطى الطاعة، وأعطى البيعة. وقيل: معنى الإعطاء: إنفاق المال في جميع وجوه الخير، من عتق الرقاب، وفك الأسارى، وتقوية المسلمين على عدوهم. انتهى. جمل نقلا من الرازي.
هذا؛ وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-وعامة المفسرين: نزلت الآيات الثلاث في أبي بكر -رضي الله عنه-فقد كان ينفق المال في عتق العجائز، والنساء. فقال له أبوه أبو قحافة: أي بني! لو أنك عتقت رجالا يمنعونك، ويقومون معك! فقال: يا أبت! إنما أريد ما أريد، فهو يعني-رضي الله عنه-رضا الله. ومعنى {أَعْطى} أنفق، وبذل المال في وجوه الخير، ومعنى (اتقى) أي: محارم الله؛ التي نهى عنها، فعمل بطاعته، واجتنب معاصيه. {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى} أي: بالخلف من الله تعالى على عطائه. وهو اختيار الطبري. وقيل: صدق بلا إله إلا الله. وقيل: صدق بموعود الله تعالى.