للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخفيّ، وأما الذين يذكرون الله رقصا، ودبكا، وصياحا؛ فليسوا على شيء! وانظر ما ذكرته بشأن هؤلاء الجهلة في سورة (ص) رقم [٤٤] وفي (الزّمر) رقم [٢٣] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ وقال عبد الله بن زيد-رحمه الله تعالى-: غلطت في أربعة أشياء في الابتداء مع الله تعالى: ظننت أنّي أحبه، فإذا هو أحبني، قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ،} وظننت أني أرضى عنه، فإذا هو قد رضي عني، قال تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}. وظننت: أني أذكره، فإذا هو يذكرني، قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} -ولا تنس الآية التي نحن بصدد شرحها-. وظننت أني أتوب، فإذا هو قد تاب عليّ، قال تعالى: {ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}.

الإعراب: {فَاذْكُرُونِي:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، (اذكروني): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، والياء مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب، لأنها جواب لشرط مقدر ب‍ «إذا»، التقدير: وإذا كان ما ذكر حاصلا، وواقعا؛ فاذكروني. {أَذْكُرْكُمْ:} فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للأمر، وجزمه عند الجمهور بشرط محذوف، التقدير: إن تذكروني أذكركم، وعليه فالفاء للاستئناف لاستحالة تقدير شرطين على مدخول واحد، والفاعل مستتر تقديره: أنا، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها. {لِي:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {وَلا:} الواو:

حرف عطف. ({لا}): ناهية جازمة. {تَكْفُرُونِ:} فعل مضارع مجزوم ب‍ ({لا}) وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة للتخفيف في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ (١٥٣)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر مثل هذا النداء في الآية رقم [١٠٤]. هذا؛ ولمّا فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر، وعدم الجحود للنّعم شرع في بيان الصبر، والإرشاد، والاستعانة بالصبر، والصلاة على متاعب الحياة، ومحنها، فإنّ العبد إما أن يكون في نعمة؛ فيشكر عليها، أو في نقمة؛ فيصبر عليها، كما جاء في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن، إنّ أمره له كلّه خير، وليس ذلك إلاّ للمؤمن، إن أصابته سراء؛ شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء؛ صبر، فكان خيرا له»، رواه مسلم عن صهيب الرّومي-رضي الله عنه-، وبيّن الله عز وجل أنّ أجود ما يستعان به على تحمّل المصائب الصبر، والصّلاة، انظر الآية رقم [٤٥] ففيها الكفاية. {إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ} أي: بالمعونة، والهداية، والتوفيق، والرعاية، والسّداد. هذا؛ ومعية الله على نوعين:

عامّة، وخاصّة، فالأولى: لكلّ الناس، وهي معيّة بالعلم، والقدرة، والإحاطة. والثانية:

للمؤمنين المتّقين، والمحسنين، هي: الحفظ، والنصر، والتأييد، والمعونة... إلخ، قال

<<  <  ج: ص:  >  >>