للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢)}

الشرح: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ:} هم العرب، كما قال تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} رقم [٢٠] من سورة (آل عمران). {رَسُولاً مِنْهُمْ:} هو محمد صلّى الله عليه وسلّم. ومعنى {مِنْهُمْ:} من أنفسهم، كقوله تعالى في آخر سورة (التوبة): {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ}. هذا؛ والأمي: هو الذي لا يقرأ، ولا يكتب، نسبة إلى الأم، كأنه باق على حالته التي ولد عليها، وهذا الوصف من خصوصيات النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ كثير من الأنبياء كان يقرأ، ويكتب. قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٥٧]: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} وصفه الله بذلك تنبيها على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته، وهو وصف ذم إلا في حقه صلّى الله عليه وسلّم، فهو وصف تعظيم، وتمجيد؛ ولذا قال تعالى ممتنا عليه: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} رقم [٤٨] من سورة (العنكبوت)، وقد قال الله تعالى في حق سفلة اليهود: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاّ أَمانِيَّ} رقم [٧٨] من سورة (البقرة).

{يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ:} يقرأ عليهم آيات القرآن؛ التي أنزلها الله عليه. {وَيُزَكِّيهِمْ:} يطهرهم من الشرك، والمعاصي، وسوء الطباع، ومن خبائث العقائد، والأعمال. {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ:} القرآن، وما فيه من الشرائع، والأحكام، ومعالم الدين من المنقول، والمعقول، ولو لم يكن له سواه معجزة؛ لكفاه. {وَالْحِكْمَةَ:} السنة، وما تكمل به نفوسهم من المعارف، والأحكام، والأخلاق.

وقال أبو بكر بن دريد: كل كلمة وعظتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح؛ فهي حكمة.

هذا؛ والحكمة: الإصابة في الرأي، والمعتقدات، والفقه في الدين، والعقل، والعمل. وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: والحكمة في عرف العلماء: استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية، واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها، وهي من منح الله لمن يشاء من عباده. قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٦٨]: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً،} وقال تعالى في سورة (لقمان) رقم [١٢]: {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ}. والحكم بضم الحاء: الإصابة في الحكم، والرأي، فهو مثل: الحكمة. {وَإِنْ كانُوا} أي: كفار قريش، والعرب قاطبة. {مِنْ قَبْلُ:} من قبل مبعث محمد صلّى الله عليه وسلّم. {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ:} في جهالة جهلاء، وضلالة عمياء، كما هو معروف لدى جميع الناس.

قال ابن كثير-رحمه الله تعالى-: بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، فقد كان العرب متمسكين بدين إبراهيم الخليل، عليه السّلام، فبدلوه، وغيروه، واستبدلوا بالتوحيد شركا، وباليقين شكا، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها

<<  <  ج: ص:  >  >>