بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم) وتسمى سورة (القتال) وهي مدنية في قول ابن عباس-رضي الله عنهما- إلا آية منها نزلت بعد حجة الوداع حين خرج صلّى الله عليه وسلّم من مكة، وجعل ينظر إلى البيت، وهو يبكي حزنا على فراقه. والاية نصها:{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ..}. إلخ رقم [١٣]. وانظر ما اعتمدته في شرح الاية هناك. وهي ثمان وثلاثون آية.
فلم يكتفوا بكفرهم، بل صدوا الناس، ومنعوهم من الدخول في دين الإسلام. {أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ:}
أبطلها، وأحبطها، وحقيقته: جعلها ضائعة ليس لها من يتقبلها، ويثيب عليها. وأراد بالأعمال:
ما كانوا يفعلون من أعمال البر من إطعام الطعام، وصلة الأرحام، وفكّ العاني (وهو الأسير) وإجارة المستجير، وقرى الضيف، ونحو ذلك.
قال بعضهم: أول هذه السورة متعلق بآخر سورة الأحقاف المتقدمة، كأنّ قائلا قال: كيف يهلك القوم الفاسقون؛ ولهم أعمالهم الصالحة كإطعام الطعام، ونحوه من الأعمال، والله لا يضيع لعامل عمله، ولو كان مثقال ذرة من خير؟ فأخبر الله بأنّ الفاسقين هم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضلّ أعمالهم، يعني: أبطلها؛ لأنها لم تكن لله ولا بأمره، إنما فعلوها من عند أنفسهم ليقال عنهم ذلك، فلهذا السبب أبطلها الله تعالى. هذا؛ وقال تعالى في سورة (الفرقان) رقم [٢٣]: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً}. وانظر سورة (النور) رقم [٣٩]:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ..}. إلخ.
هذا؛ وقد يقال: إن الله لا يظلم الناس شيئا، فكيف يضيع أعمالهم الصالحة النافعة؟ والجواب: أنّ الله يجزيهم بها في الدنيا قبل أن يخرجوا منها، بأن يوسع في أرزاقهم، ويرزقهم الصحة، والعافية، ويقر أعينهم فيما حولهم، ويدفع عنهم المكاره. وانظر ما ذكرته في الاية رقم [٥٥] من سورة (التوبة)، والاية رقم [١٥] من سورة (هود)، والاية رقم [٢٠] من سورة (الشورى)، وانظر شرح هذه الايات في محالها تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.