الشرح: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-قال العلماء:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قسم من ربنا، أنزله عند رأس كل سورة، يقسم لعباده: إنّ هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حقّ، وإني أوفي لكم بجميع ما ضمنت هذه السورة من وعدي، ولطفي، وبرّي. ولم أره لغيره، وليس فيها معنى القسم، والبسملة مما أنزله الله تعالى في كتابنا خصوصا بعد سليمان، علي نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وقد تضمّنت جميع الشرع؛ لأنّها تدل على الذّات وعلى الصّفات، لذا فالقول: إن القرآن تضمّن كل ما في الكتب السابقة من أمور الدنيا والآخرة، والفاتحة تضمّنت كل ما في القرآن الكريم، والبسملة تضمّنت كل ما في الفاتحة، وجميع ذلك في الباء من البسملة، وكأنّ الله عز وجل يقول: بي كان، وما يكون، وما سيكون في الدنيا والآخرة. والله أعلم بمراده، وأسرار كلامه.
قال سعيد بن أبي سكينة: بلغني أنّ عليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه-، نظر إلى رجل يكتب:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} فقال له: جوّدها، فإن رجلا جوّدها، فغفر له، وقال سعيد أيضا: وبلغني أنّ رجلا نظر إلى قرطاس فيه: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} فقبّله، ووضعه على عينيه، فغفر له. ومن هذا المعنى قصة بشر الحافي، فإنّه لمّا رفع الرقعة التي فيها اسم الله من مكان ممتهن، وطيّبها بمسك بعد أن نظّفها، وأزال عنها الأقذار؛ طيّب الله اسمه؛ أي: رفع ذكره بين الناس، ويحكى: أنه قيل له في المنام: كما طيبت اسمنا لنطيبنّ اسمك.
وروى النّسائيّ عن أبي المليح عن ردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا عثرت بك الدابّة؛ فلا تقل: تعس الشّيطان، فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت، ويقول: بقوتي صنعته، ولكن قل:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ،} فإنه يتصاغر حتّى يصير مثل الذّباب».
وروى وكيع بن الأعمش، عن أبي وائل: عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر، فليقرأ:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} فيجعل الله تعالى له بكل حرف منها جنّة من كل واحد، فالبسملة تسعة عشر حرفا على عدد ملائكة أهل النار الذين قال الله فيهم {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} وهم يقولون في كل أفعالهم: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} فمن هنالك هي قوتهم، وببسم الله استضلعوا. هذا وكسرت الباء الجارة في البسملة وغيرها، لتكون حركتها مشبهة لعملها، وقيل: كسرت ليفرق بين ما يخفض، ولا يكون إلا حرفا، نحو الباء، واللام الجارة، وبين ما يخفض، وقد يكون اسما، نحو الكاف في قول العجاج:[الرجز]