وتولى ألم يعلم بأن الله يرى، كما يؤخذ من صنيع السمين في سورة (الأنعام) رقم [٤٠] وانظر ما ذكرته في سورة (يونس) رقم [٥٠].
ونقل هنا إعرابا عن الزمخشري محصله: أن {أَرَأَيْتَ} الأولى مفعولها الأول الموصول، وأن الثانية زائدة مكررة للتوكيد. وأن المفعول الثاني للأولى هو جملة الشرط الذي في حيز الثانية مع جوابها المحذوف؛ الذي يقدر جملة استفهامية، وهي التي صرح بها في حيز الثالثة، وأن مفعول الثالثة الأول محذوف، تقديره: أرأيته، وجملة الشرط الذي بعدها، وجوابه، وهو جملة الاستفهام المصرح بها سادة مسد المفعول الثاني. وقال في تقرير هذا الإعراب، انظر قول الزمخشري في الآية رقم [١١].
الشرح:{كَلاّ:} ردع، وزجر للناهي المجرم الآثم. {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} أي: الخبيث أبو جهل عن إيذائك يا محمد، ولم ينته عن الكفر. {لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ} أي: لنأخذن بناصيته؛ أي: فلنذلنه في الدنيا. وقيل: لنأخذن بناصيته يوم القيامة، وتطوى مع قدميه، ويطرح في النار، كما قال تعالى في سورة (الرحمن) رقم [٤١]: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ} انظر شرحها في محلها، والمعنى هنا: لنأخذن بناصيته، فلنجرنه إلى النار. يقال: سفعت بالشيء: إذا أخذته، وجذبته جذبا شديدا، والناصية: شعر مقدم الرأس، والسفع: الضرب؛ أي: لنضربن وجهه في النار، ولنسودنه. ومن الأخذ، والجذب يقال: سفع بناصية فرسه: إذا أخذها، وجذبها. قال حميد بن ثور الهلالي الصحابي-رضي الله عنه-. [الكامل]
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم... ما بين ملجم مهره أو سافع
وهذا هو الشاهد رقم [١٠٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». وقيل: هو مأخوذ من: سفعته النار، والشمس: إذا غيرت وجهه إلى حال تسويده. قال زهير في معلقته رقم [٥]. [الطويل]
أثافيّ سفعا في معرّس مرجل... ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلّم
والناصية: شعر مقدم الرأس، كما قدمت، وقد يعبر بها عن جملة الإنسان، كما يقال: هذه ناصية مباركة، إشارة إلى جميع الإنسان، وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله، وإهانته؛ أخذوا بناصيته، والآية وإن كانت في أبي جهل نزلت؛ فهي عظة للناس وتهديد ووعيد لكل من يمتنع، أو يمنع غيره من طاعة الله؛ لأن خصوص السبب، لا يمنع التعميم.
{ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ} أي: ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها. والمراد:
صاحبها؛ أي: أبو جهل كاذب خاطئ، كما يقال: نهاره صائم، وليله قائم؛ أي: هو صائم في