للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)}

الشرح: {وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} أي: لما أخبرت امرأة لوط قومها بأضياف لوط جاء قومه يركضون ويسرعون، وقيل: يسوق بعضهم بعضا؛ لأن الفعل بمعنى: (يساقون)، فقيل: هذا الفعل ملازم للبناء للمفعول، مثل أولع، يولع، والصواب: أنه يأتي بصيغة المبني للفاعل، وبه قرأ جماعة ويكون من الباب الثالث، مثل فتح يفتح، ولكن الأول أكثر، وأشهر، قال مهلهل: [الوافر]

فجاءوا يهرعون، وهم أسارى... نقودهم على رغم الأنوف

{وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ} أي: من قبل مجيء الرسل، وقيل: أي: من قبل مجيء لوط إليهم كانوا يعملون الأعمال الخبيثة، والفاحشة القبيحة، وهي إتيان الرجال في أدبارهم.

{قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أي: قال لوط عليه السّلام لقومه... إلخ: فدى أضيافه ببناته كرما وحمية، والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن، وكانوا يطلبونهن منه فلا يجيبهم لخبثهم، وعدم كفاءتهم لهن، لا لحرمة المسلمات على الكفار، فإنه شرع طارئ.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير-رضي الله عنهما-: أراد بنات نساء قومه، وأضافهن إلى نفسه؛ لأن كل نبي أبو أمته، وهو كالوالد لهم حيث الشفقة والتربية، وهذا القول أولى؛ لأن إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش، والفجار مستبعد، لا يليق بأهل المروءة؛ فكيف بالأنبياء! وأيضا فبناته لا تكفي الجمع العظيم، أما بنات أمته ففيهن كفاية للكل.

هذا؛ وأطهر ليس على بابه من التفضيل، وإنما هو كلام خرج مخرج المقابلة كقوله تعالى:

{أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} ومعلوم أن شجرة الزقوم لا خير فيها، وكقوله صلّى الله عليه وسلّم حين قال كفار قريش يوم أحد: اعل هبل، فقال: «الله أعلى وأجلّ»؛ إذ لا مماثلة بين الله تعالى والصنم.

{فَاتَّقُوا اللهَ}: خافوه وراقبوه واتركوا ما أنتم عليه من الكفر، وفعل الفواحش، والقبائح؛ التي لم يفعلها غيركم. {وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} أي: لا تهينوني ولا تذلوني، ومنه قول حسان -رضي الله عنه-: [الطويل]

فأخزاك ربّي يا عتيب بن مالك... ولقّاك قبل الموت إحدى الصواعق

مددت يمينا للنّبيّ تعمدا... ودمّيت فاه قطّعت بالبوارق

ويجوز أن يكون من الخزاية، وهو الحياء، والخجل، قال ذو الرمة: [البسيط]

خزاية أدركته بعد جولته... من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب

<<  <  ج: ص:  >  >>