إلى ({مَنْ}) أيضا. {إِثْماً:} مفعول به. {عَظِيماً:} صفة له، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محلّ لها؛ لأنّها لم تحلّ محلّ المفرد، وخبر المبتدأ الذي هو: ({مَنْ}) مختلف فيه، كما ذكرته مرارا. والجملة الاسمية مستأنفة لا محلّ لها.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩)}
الشرح: {أَلَمْ تَرَ..}. إلخ: الخطاب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو لكلّ أحد، والاستفهام تعجيب، وتشويق إلى استماع ما بعده؛ إن كان المخاطب لم يعلم بحال المذكورين، أو هو استفهام تقرير؛ إن كان المخاطب يعلم بحالهم، ويجوز أن يخاطب به من لم ير، ولم يسمع؛ لأنّ هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجّب.
{إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ:} المراد بهم اليهود، حيث قالوا: {نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ} وقيل:
جاء ناس منهم بأطفالهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا له: هل على هؤلاء ذنب؟ قال: «لا» قالوا:
والله ما نحن إلا كهيئتهم، ما عملناه باللّيل؛ كفّر عنا بالنّهار، وما عملناه بالنّهار؛ كفّر عنا باللّيل. فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقيل: نزلت في اليهود والنصارى، حين قالوا: {نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ} وقالوا: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى}.
والتزكية هنا عبارة عن مدح الإنسان نفسه بالصّلاح، والدّين، وغير ذلك، وقد نهى الله عن ذلك، فقال في سورة (النجم): {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى،} ومعنى: {يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ:}
يزعمون: أنهم أزكياء؛ لأنّهم برّءوا أنفسهم من الذّنوب. قال تعالى ردّا عليهم: {بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ} أي: يجعله زاكيا.
هذا؛ وقيل: نزلت الآية في ذمّ التّمادح، والتزكية. وفي صحيح مسلم عن المقداد بن الأسود-رضي الله عنه-، قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نحثو في وجوه المدّاحين التراب. وفي الصّحيحين: عن عبد الله بن أبي بكر-رضي الله عنهما-عن أبيه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع رجلا يثني على رجل، فقال: «ويحك! قطعت عنق صاحبك» ثمّ قال: «إن كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا، ولا يزكّي على الله أحدا». وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-:
إنّ الرجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع، وما معه منه شيء، يلقى الرّجل ليس يملك له ضرّا، ولا نفعا، فيقول له: إنّك والله كيت، وكيت! ولعلّه يرجع، ولم يحظ من حاجته بشيء، وقد أسخط الله.
وما أكثر الذين يسخطون الله بمدحهم غيرهم؛ لينالوا منافع مادية، أو مناصب معنوية في كل زمان، ومكان! فيبيعون دينهم، وكرامتهم، بل ومروءتهم، وهذا إذا كان المدح نفاقا، وبالباطل.
فأمّا مدح الرّجل بما فيه من الفعل الحسن، والأمر المحمود؛ ليكون منه؛ ترغيبا له في أمثاله، وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه به؛ فليس بمدّاح بالباطل، والنفاق. كيف لا؛ وقد