سورة (المدثر) مكية في قول الجميع. وقال الخازن-رحمه الله تعالى-: غير آية من آخرها. وهي ست وخمسون آية، ومئتان وخمس وخمسون كلمة، وألف حرف وعشرة أحرف. انتهى. خازن.
اختلف في أول ما نزل من القرآن اختلافا طويلا، وتحقيق المعتمد منه، وطريق الجمع بين الأحاديث المتناقضة فيه: أن أول ما نزل على الإطلاق: {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)،} وأول ما نزل بعد فترة الوحي: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.
فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«كنت على جبل حراء، فنوديت: يا محمد! إنك رسول الله، فنظرت عن يميني، وعن يساري، فلم أر شيئا، فنظرت فوقي؛ فإذا به قاعد على عرش بين السماء والأرض-يعني: الملك الذي ناداه قاعد على كرسي بين السماء والأرض-فرعبت، ورجعت إلى خديجة، فقلت: دثروني دثروني، فنزل جبريل، وقال:{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}».
وعن الزهري: إن أول ما نزل سورة (اقرأ) إلى قوله تعالى: {ما لَمْ يَعْلَمْ} ثم انقطع الوحي، فحزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل يعلو شواهق الجبال، فأتاه جبريل عليه السّلام، وقال: إنك نبي الله، فرجع إلى خديجة-رضي الله عنها-فقال:«دثّروني، وصبوا عليّ ماء باردا». فنزل:{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}.
الشرح:{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ:} أصله: المتدثر، وهو الذي يتدثر في ثيابه؛ أي: يتلفف، ويتغطى ليستدفئ بها. وانظر {الْمُزَّمِّلُ} في السورة السابقة فهو مثله في إعلاله، وأجمعوا على أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما سماه مدثرا؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم لخديجة-رضي الله عنها-: «دثروني». وقيل: معناه:
يا أيها المدثر بدثار النبوة، والرسالة. من قولهم: ألبسه الله لباس التقوى، فجعل النبوة كالدثار، واللباس مجازا، واستعارة.