وعن النّعمان بن بشير-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر النّاس؛ لم يشكر الله. والتّحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب». قال الخطابي-رحمه الله تعالى-: هذا الكلام يتأول على معنيين: أحدهما: أنّ من كان طبعه كفران نعمة النّاس، وترك الشكر لمعروفهم؛ كان من عادته كفران نعم الله، عزّ وجل، وترك الشكر له. والمعنى الثاني: أنّ الله تعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه؛ إذا كان العبد لا يشكر إحسان النّاس إليه، ويكفر معروفهم، لاتصال أحد الأمرين بالآخر. ورحم الله من قال:[الطويل]
ومن لم يؤدّ الشّكر للنّاس لم يكن... لإحسان ربّ النّاس يوما بشاكر
الإعراب:{ما:} اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. وقيل:
({ما}) نافية. {يَفْعَلُ اللهُ:} فعل مضارع وفاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محلّ لها.
{بِعَذابِكُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والباء زائدة في المفعول به على اعتبار (ما) نافية، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف. (إن): حرف شرط جازم. {شَكَرْتُمْ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية، ويقال: لأنّها جملة شرط غير ظرفي. {وَآمَنْتُمْ:} معطوف على ما قبله جملة، وإفرادا، ومتعلقه محذوف، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، التقدير: إن شكرتم الله، وآمنتم به؛ فما يفعل الله... إلخ، وجملة:{وَكانَ اللهُ..}. إلخ مستأنفة لا محلّ لها.
الشرح:{لا يُحِبُّ اللهُ..}. إلخ: أي: لا يرضى ربّنا أن يجهر المسلم بالقول السيّئ إلا المظلوم، فإنّه يجوز له أن يجهر بظلمه، فيقول: فلان ظلمني، أو سرقني، أو شتمني، ونحو ذلك، كما فسّر بدعاء المظلوم على الظالم، فإنّه يجوز له أن يدعو على ظالمه سرّا، وجهرا.
وقيل: نزلت الآية في الضّيف إذا نزل بقوم، فلم يقروه، ولم يحسنوا ضيافته؛ فله أن يشكو، ويذكر ما صنع به.
وقال مقاتل-رحمه الله تعالى-: نزلت في أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-وذلك: أنّ رجلا نال منه، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم حاضر، فسكت عنه أبو بكر-رضي الله عنه-مرارا، ثم ردّ عليه، فقام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من مجلسه، فقال الصدّيق: يا رسول الله! شتمني الرّجل، فلم تقل له شيئا؛ حتّى إذا رددت عليه؛ قمت! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ ملكا كان يجيب عنك، فلمّا رددت عليه؛ ذهب الملك، وجاء الشّيطان، فقمت». ونزلت الآية الكريمة.