للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)}

الشرح: {قالَ:} ويقرأ: «(قل)» كما في الآية رقم [١١٤]. {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً} أي: ما لبثتم إلا زمانا قليلا، أو لبثا قليلا، فقد سماه الله قليلا؛ لأن الإنسان، وإن طال مكثه، ولبثه في الدنيا، فإنه يكون قليلا في جنب ما يلبث في الآخرة؛ لأن الأول ينتهي، والثاني لا ينتهي أبدا.

{لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ:} صدقهم الله تعالى في تقالهم لسني لبثهم في الدنيا، أي: لو علمتم عدد سني مكثكم في الدنيا، وعدد سني مكثكم في الآخرة، بل في النار لعلمتم علم اليقين: أن الأول لا يكاد يذكر بجانب الثاني؛ لأن الأول انقضى وانتهى، وأما الثاني فلا انقضاء له، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {قالَ:} ماض، أو أمر على نحو ما رأيت في الآية رقم [١١٤]. {إِنْ:} حرف نفي بمعنى «ما». {لَبِثْتُمْ:} فعل، وفاعل. {إِلاّ:} حرف حصر. {قَلِيلاً:} صفة زمان محذوف، أو صفة مفعول مطلق محذوف، انظر الشرح. {لَوْ:} حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {أَنَّكُمْ:}

حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {كُنْتُمْ:} ماض ناقص، والتاء اسمه. {تَعْلَمُونَ:} مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، ومفعوله محذوف، التقدير: تعلمون مقدار لبثكم في الدارين، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، وجملة: {كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ..}. إلخ في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع فاعل لفعل محذوف، هو شرط {لَوْ} عند المبرد، التقدير: لو حصل علمكم ونحو ذلك. وقال سيبويه-رحمهم الله جميعا-: هو في محل رفع بالابتداء، والخبر محذوف، التقدير: ولو علمكم حاصل، أو واقع. وقول المبرد هو المرجح؛ لأن {لَوْ،} لا يليها إلا فعل ظاهر، أو مقدر، والفعل المقدر على قول المبرد وفاعله المؤول جملة فعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب (لو) محذوف، التقدير: لو كنتم تعلمون مقدار لبثكم... لعلمتم يومئذ قلة لبثكم في الدنيا، كما علمتم اليوم، أو لعملتم بموجبه، ولم تركنوا إلى الدنيا، أو لما أجبتم بهذا الجواب، والكلام كله في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥)}

الشرح: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً} أي: مهملين كما خلقت البهائم، لا ثواب لها، ولا عقاب عليها، مثل قوله تعالى في الآية رقم [٣٦] من سورة (القيامة): {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي: هملا كالبهائم، بل خلقناكم للتكليف، ثم للرجوع من دار التكليف، إلى دار الجزاء، فنثيب المحسن، ونعاقب المسيء، قال تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ..}. إلخ من سورة (الذاريات).

<<  <  ج: ص:  >  >>