كما قال تعالى في سورة (الحج): {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}. {وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا:} القمح، والشعير، ونحوهما. {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ:}
قدم الجار والمجرور للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل منه، ويعاش به، وينتفع به الإنس، وإذا قلّ؛ جاء القحط، ووقع الضرر، وإذا فقد؛ حضر الهلاك، ونزل البلاء.
{أَحْيَيْناها:} فعل، وفاعل، ومفعول به. والجملة الفعلية في محل نصب حال من:{الْأَرْضُ}.
والرابط: الضمير فقط، وهي على تقدير:«قد» قبلها، وأجاز الزمخشري، والبيضاوي، والنسفي وجهين: الأول: الاستئناف. والثاني: اعتبار الجملة صفة ل: {الْأَرْضُ} لأنه أريد بها الجنس لا أرض بعينها، فعوملت معاملة النكرة في وصفها بالأفعال، ومثلها الآية رقم [٣٧] الآتية، وقول رجل من بني سلول:[الكامل] ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني... فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني
وهذا هو الشاهد رقم [١٥٢] من كتابنا فتح القريب المجيب. وينبغي أن تفرق معي بين الآية التي نحن بصدد شرحها، والآية الآتية، والبيت، فإن الآية التي نحن بصدد شرحها قد وصفت {الْأَرْضُ} فيها ب: {الْمَيْتَةُ،} والوصف وحده يجيز مجيء الحال من النكرة، كيف؛ و {الْأَرْضُ} مقرونة بال، ووصفت ب:{الْمَيْتَةُ}. هذا؛ وأجاز مكي، وأبو البقاء اعتبار (آية) مبتدأ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبره. و {الْأَرْضُ} مبتدأ، وجملة:{أَحْيَيْناها} في محل رفع خبره، والجملة الاسمية برمتها تفسير للجملة الأولى، أو تفسير ل:(آية) وحدها.
(أخرجنا): فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، على جميع الاعتبارات فيها. {مِنْها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {حَبًّا:} مفعول به. {فَمِنْهُ:} الفاء: حرف عطف. (منه): متعلقان بما بعدهما على أنهما مفعوله، وجملة «يأكلون منه» معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة، لا محل لها.
الشرح:{وَجَعَلْنا فِيها جَنّاتٍ:} بساتين، جمع: جنة بفتح الجيم، سميت بذلك لكثرة أشجارها، ولأنها تستر ما فيها. وسميت جنة عدن لذلك. هذا؛ والجنة بكسر الجيم: الجنون، سمي بذلك؛ لأنه يغطي العقل، ويذهب به، والجنة بكسر الجيم أيضا الجن، سموا بذلك؛ لأنهم يستترون عن أعين الناس. قال تعالى في سورة (الناس): {مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ}. وهو بضم الجيم كل ما استترت به، وكل