للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦)}

الشرح: {قالَ} الله عزّ وجل: {فَإِنَّها} أي: الأرض المقدسة {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ}. {أَرْبَعِينَ سَنَةً:} ظرف زمان، فإن علّق ب‍: {مُحَرَّمَةٌ} كان التحريم موقتا بهذه المدّة غير مؤبّد، ويؤيد ذلك ما روي: أنّ موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-سار بعدها بمن بقي معه من بني إسرائيل، ففتح أريحا، وأقام فيها ما شاء الله، ثمّ قبض. وقيل: إنّه قبض في التّيه، ولما احتضر؛ أخبرهم بأنّ يوشع بعده نبيّ، وأنّ الله أمره بقتال الجبّارين، فسار يوشع بهم، وقتل الجبابرة، وصار الشّام كله لبني إسرائيل. وإن علق الظرف بالفعل: {يَتِيهُونَ} أي: يسيرون فيها متحيرين، لا يرون طريقا، ولا يعرفون أين يسيرون، فيكون التحريم مطلقا. روي: أنّه لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممّن قال: {إِنّا لَنْ نَدْخُلَها}. بل هلكوا جميعا في التيه. هذا؛ والتّحريم المذكور تحريم منع، لا تحريم شرع. قاله أكثر المفسّرين، ومنه قول امرئ القيس-وهو الشاهد رقم [١١٥٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الكامل]

جالت لتصرعني فقلت لها اقصري... إنّي امرؤ صرعي عليك حرام

ف‍: «حرام» بكسر الميم، انظر كتابنا المذكور لتعرف لماذا كسرت الميم؟ وأصل التيه في اللغة: الحيرة، يقال منه: تاه، يتيه، تيها، وتوها، إذا تحيّر، والأرض التيهاء: التي لا يهتدى فيها. قال الشاعر: [الطويل]

بتيهاء قفر والمطيّ كأنّها... قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها

{فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ} أي: لا تأسف، ولا تحزن عليهم فيما حكمت عليهم به، فإنّهم مستحقون ذلك، ففيه تسلية لموسى-عليه السّلام-لمّا ندم على الدّعاء عليهم، وبيّن: أنّهم أحقاء بذلك العذاب لفسقهم، ولم يقل: «فلا تأس عليهم» وإنّما وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بشدّة الفسوق، ورسوخه في قلوبهم و «الأسى»: الحزن، وأسي، يأسى، أسى، أي: حزن. قال امرؤ القيس في معلّقته: [الطويل]

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم... يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

وشرح التيه: أنّهم لبثوا أربعين سنة في تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخا، وكانوا ستمائة ألف مقاتل، وكانوا يسيرون من الصّباح إلى المساء، فإذا هم في المكان الذي ارتحلوا عنه، ويسيرون من المساء إلى الصباح فإذا هم في المكان نفسه، وكان ذلك عقوبة لبني إسرائيل، ما خلا موسى. وهارون، ويوشع، وكالب، فإنّ الله سهّله عليهم، وأعانهم عليه، كما سهّل النار على

<<  <  ج: ص:  >  >>