{وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)}
الشرح: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ:} موضع الشّروق. {وَالْمَغْرِبُ:} موضع الغروب، أي: هما لله ملك، وما بينهما من الجهات، والمخلوقات بالإيجاد، والاختراع، وخصّهما بالذّكر، والإضافة إليه تشريفا، نحو بيت الله، وناقة الله. هذا؛ وفي سورة (الرّحمن) قوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أي: مشرقي الشّتاء والصّيف، ومغربيهما، وقال تعالى في سورة (المعارج): {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ} فقد جمع المشرق، والمغرب كما ترى باعتبار مشارق الشمس، ومغاربها في السّنة، وهي ثلاثمائة وستون، تشرق الشمس كلّ يوم في واحد منها، وكذا تغرب في واحد منها.
هذا؛ وتقديم المشرق في جميع حالاته على المغرب يوحي بأفضليته عليه. هذا؛ وكان من حق المشرق والمغرب فتح العين، وهي الراء فيهما؛ لأن المصدر الميمي، واسمي الزمان، والمكان، إذا أخذ أحدهما من فعل ثلاثي، مفتوح العين، أو مضمومها في المضارع أن يكون بفتح العين قياسا، ولكن التلاوة جاءت بكسرها، وأيضا جاء كثير بكسر العين، وهو مذكور في كتب النّحو، من ذلك: المسجد، والمنبت، والمسقط، والمرفق، والمنخر، والمجزر.
والتّحقيق: أنّها أسماء نوعيّة، غير جارية على فعلها، وإلا؛ فلا مانع من الفتح.
{تُوَلُّوا:} تتّجهوا في صلاتكم، وقرأ الحسن: («تولّوا») بفتح التاء، واللام، والأصل:
«تتولوا». و (ثم) بفتح الثاء ظرف مكان بمعنى هناك، وانظر الآية رقم [٥٦]. {وَجْهُ اللهِ:} جهته التي ارتضاها قبلة، وأمر بالتوجّه إليها، وقال الحذاق من علماء القرآن والسنة: ذلك راجع إلى الوجود، والعبارة عنه بالوجه من مجاز الكلام؛ إذ كان الوجه أظهر الأعضاء في الشّاهد، وأجلها قدرا، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الوجه: عبارة عنه عز وجل، كما قال:
{وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} وقيل: الوجه القصد، كما قال الشاعر: [البسيط]
أستغفر الله ذنبا لست محصيه... ربّ العباد إليه الوجه والعمل
هذا؛ واختلف في المعنى الذي أنزلت فيه الآية على ثلاثة أقوال:
الأول: أن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة المنوّرة؛ أمر بالتوجّه إلى بيت المقدس في صلاته ستة عشر، أو سبعة عشر شهرا، ثمّ صرفه الله إلى الكعبة، ولهذا يقول تعالى: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}. عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان أوّل ما نسخ من القرآن القبلة، وانظر الآية رقم [١٤٤] الآتية؛ ففيها البحث كاف واف.
الثاني: قال قوم: بل نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذنا من الله تعالى أن يصلّي المتطوع حيث توجه من شرق، أو غرب في سفره؛ لما روي عن ابن عمر-رضي الله عنهما-:
أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك، ويتأوّل هذه الآية: {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}.