للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)}

الشرح: {يُنَزِّلُ:} بضم الياء وتشديد الزاي، وقرئ بتخفيفها، وقرئ بتاء المضارعة مفتوحة، وتخفيف الزاي ورفع الملائكة، وقرئ «(تنزل)» والأصل تتنزل، فحذفت إحدى التاءين، وقرئ «(تنزّل)» بالبناء للمجهول، وقرئ «(ننزل)» {بِالرُّوحِ} أي: بالوحي والنبوة، أو بالقرآن، فإنه يحيي القلوب الميتة بالجهل، أو إنه يقوم في الدين مقام الروح في الجسد، ونظير الأول: قوله تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} أي: الوحي، والنبوة؛ أي: يخص من يشاء بالنبوة، وعلى الاعتبارين في الكلام استعارة تصريحية بجامع: أنّ الروح بها إحياء البدن، والوحي والنبوة والقرآن به إحياء القلوب من الجهالات. وقيل: أي بالرحمة. وقال أبو عبيدة:

الروح هنا: جبريل عليه السّلام، والباء بمعنى: «مع»؛ أي: مع الروح. {مِنْ أَمْرِهِ} أي: بأمره، ف‍: {مِنْ} بمعنى: الباء، وهو كثير في كتاب الله تعالى، كما تأتي الباء بمعنى: «من»، ويسمى مثل هذا ب‍: «التقارض»، والتعاوض. {عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} أي: على من يختاره الله للنبوة والرسالة. {أَنْ أَنْذِرُوا} أي: أعلموا من: نذرته بكذا إذا أعلمته. {أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ} أي: فخافون، وفي الآية التفات ظاهر واضح، وانظر الآية رقم [٤٣] من سورة (الرعد).

بعد هذا انظر شرح: {الْمَلائِكَةَ} في الآية رقم [٢٣] من سورة (الرعد). و {يَشاءُ} ماضيه شاء، فلم يرد له أمر، ولا ل‍: «أراد» فيما أعلم، فهما ناقصا التصرف، وأصل «شاء» شيء على فعل بكسر العين، بدليل شئت شيئا، وقد قلبت الياء ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، وقد كثر حذف مفعوله، وحذف مفعول «أراد» حتى لا يكاد ينطق به إلا في الشيء المستغرب، مثل قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا} وقال الشاعر الخريمي: [الطويل]

فلو شئت أن أبكي دما لبكيته... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع

وقيد بعضهم حذف مفعول هذين الفعلين بعد «لو»، وليس كذلك. (اتقون): أمر من التقوى، وهي حفظ النفس من العذاب الأخروي بامتثال، أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه؛ لأن أصل المادة من الوقاية، وهي الحفظ والتحرز من المهالك في الدنيا والآخرة، وانظر ما وصف الله به المتقين في أول سورة (البقرة).

الإعراب: {يُنَزِّلُ:} مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «هو» يعود إلى {اللهِ}. {الْمَلائِكَةَ:}

مفعول به، وانظر، أوجه القراءات في الشرح. {بِالرُّوحِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وأجيز تعليقهما بمحذوف حال من الملائكة. {مِنْ أَمْرِهِ:} متعلقان بمحذوف حال من (الروح)، والهاء

<<  <  ج: ص:  >  >>