للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سائله إلا بحاجته، أو بميسور من القول، وإن رجلا أتاه، فسأله، فأعطاه غنما تسد ما بين جبلين، فرجع إلى قومه. وقال: أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وما سئل شيئا قط، فقال: لا. وجاء رجل فسأله، فقال: «ما عندي شيء، ولكن ابتع عليّ، فإذا جاءنا شيء؛ قضيناه». فقال عمر-رضي الله عنه-: يا رسول الله! ما كلفك الله ما لا تقدر عليه!. فكره النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك من عمر، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالا! فتبسم صلّى الله عليه وسلّم، وعرف السرور في وجهه.

وقال الإمام علي-رضي الله عنه-: إذا أقبلت عليك الدنيا؛ فأنفق منها، فإنها لا تفنى. وإذا أدبرت عنك؛ فأنفق منها فإنها لا تبقى. وقيل في المعنى: [البسيط]

لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة... فليس ينقصها التبذير والسّرف

وإن تولّت فأحرى أن تجود بها... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

وأكتفي بما تقدم، ولو شئت لعملت من ذلك صفحات.

وإعراب الآيات الثلاث مثل إعراب ما قبلهن، بلا فارق، ولا تنس المقابلة بين الآيات، والطباق بين (اليسرى) و (العسرى)، وكل ذلك من المحسنات البديعية.

{وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣)}

الشرح: {وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ:} الذي جمعه من حلال، وحرام، ثم بخل به في وجوه الخير، والإحسان. {إِذا تَرَدّى} أي: مات، يقال: ردي الرجل، يردى ردى: إذا هلك. وقيل: تردى سقط في جهنم. وقيل: سقط في القبر، و (ما) تحتمل النفي، والاستفهام. انظر الإعراب، ومثله في سورة: (المسد) قوله تعالى: {ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ}.

{إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى} أي: إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلالة، فالهدى بمعنى:

بيان الأحكام. قاله الزجاج؛ أي: علينا البيان، بيان الحلال، والحرام، والطاعة، والمعصية، وذلك: أن الله تعالى عرفهم ما للمحسن من اليسرى، وما للمسيء من العسرى، أخبرهم: أن بيده الإرشاد والهداية وعليه تبيين طريقها. وقيل: معناه: إن علينا للهدى، والإضلال، فاكتفى بذكر أحدهما. والمعنى: أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي، وأصرف أعدائي عن العمل بطاعتي.

{وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى} أي: لنا ما في الدنيا، والآخرة، فمن طلبهما من غير مالكهما؛ فقد أخطأ الطريق، فهو كقوله تعالى في سورة (النجم): {فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى،} وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [١٣٤]: {مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ} والمعنى: إن الأمر كله لله، مالك الدنيا، والآخرة، فهو المتصرف فيهما، تصرف الملاك، يعطي من يشاء،

<<  <  ج: ص:  >  >>