للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا عن عبادة الله، وانهماكهم في اللذات، والشهوات. وقال القرطبي: فهذا في الدنيا؛ لأن الآخرة ليست دار عمل، فالمعنى: وجوه عاملة ناصبة في الدنيا، خاشعة في الآخرة. قال أهل اللغة: يقال للرجل إذا دأب في سيره: قد عمل، يعمل عملا. ويقال للسّحاب إذا دام برقة: قد عمل يعمل عملا، وذا سحاب عمل. قال ساعدة بن جؤية الهذلي-وهذا هو الشاهد رقم [٨٠٢] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]

حتّى شآها كليل موهنا عمل... باتت طرابا وبات اللّيل لم ينم

{ناصِبَةٌ:} تعبة، يقال: نصب بكسر الصاد، ينصب نصبا: إذا تعب، وفي سورة (الكهف) قوله تعالى حكاية عن قول موسى-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً} رقم [٦٣]، وانظر سورة (الشرح). وانظر ما ذكرته في أول سورة (التكوير).

روي أن عمر-رضي الله عنه-لما قدم الشام أتاه راهب شيخ كبير عليه سواد. فلما رآه عمر جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين! إنه نصراني؟ فقال: ذكرت قول الله عزّ وجلّ:

{عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً} فبكيت رحمة عليه. وروي: أنه قال: هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه، ورجا رجاء، فأخطأه. وقال الجمل: والآية نزلت في القسيسين، وعباد الأوثان، وفي كل مجتهد في كفر. انتهى. نقلا من البحر المحيط، وهذا لم يقل به غيره، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {هَلْ:} حرف استفهام، وتشويق. وانظر الشرح. {أَتاكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {حَدِيثُ:} فاعله، وهو مضاف، و {الْغاشِيَةِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية مبتدأة لا محل لها. {وُجُوهٌ:} مبتدأ، جوز الابتداء به؛ لأنه في موضع التنويع. {يَوْمَئِذٍ:}

(يوم): ظرف زمان متعلق ب‍: {خاشِعَةٌ،} و (إذ) ظرف مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض من جملة محذوفة، التقدير: يوم إذ تغشاهم. {خاشِعَةٌ:} خبر أول. {عامِلَةٌ ناصِبَةٌ:}

خبران آخران. هذا؛ وجوز اعتبارهما خبرين لمبتدأين محذوفين، التقدير: هي عاملة، هي ناصبة.

وترجع الجملتان في محل رفع خبرين للمبتدأ، أو هما مستأنفتان، لا محل لهما. هذا؛ وأجيز اعتبار الأسماء الثلاثة صفات لوجوه، واعتبار الجملة الفعلية: {تَصْلى..}. إلخ هي الخبر، والجملة الاسمية: {وُجُوهٌ..}. إلخ مستأنفة، وهي بمنزلة جواب لسؤال نشأ من الاستفهام التشويقي.

{تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)}

الشرح: {تَصْلى..}. إلخ: أي: يصيبها صلاؤها، وحرّها. {حامِيَةً:} شديدة الحر؛ أي: قد أوقدت، وأحميت المدة الطويلة، كما قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى}. {تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي:

متناهية في الحرارة، قد أوقدت عليها جهنم مذ خلقت، لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>