الشرح:{فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي: قاربن انقضاء العدة، فهو كقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٣١]: {وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ:} فراجعوهن من غير ضرار بهن.
{أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن، فيملكن أنفسهن، وفي آية (البقرة) رقم [٢٣١]: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} والتسريح، والمفارقة بمعنى واحد، وهما من ألفاظ الطلاق الصريحة، وفي آية (البقرة) زيادة: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا} والمعنى: ولا تراجعوهن إرادة الإضرار بهن، فقد كان المطلق في صدر الإسلام يترك المعتدة؛ حتى تقارب انقضاء عدتها، ثم يراجعها ليطول العدة عليها، فنهي عنه بعد الأمر بضده مبالغة، وفي قوله تعالى:{فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} ما يوجب أن يكون القول قول المرأة في انقضاء العدة؛ إذا ادعت ذلك، ولذا قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٢٨]: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} أي: يخفين ما في أرحامهن من الولد، أو الحيض، استعجالا في العدة، وإبطالا في حق الرجعة. {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ:} أمر بالإشهاد على الطلاق. وقيل: على الرجعة، والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. وقيل: المعنى: وأشهدوا عند الرجعة، والفرقة جميعا، وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة-رحمه الله تعالى-، كقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٨٢]: {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} وعند الأئمة الثلاثة: الشافعي، ومالك، وأحمد-رحمهم الله تعالى-واجب في الرجعة، مندوب إليه في الفرقة. وفائدة الإشهاد ألا يقع بينهما التجاحد، وألا يتّهم في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما، فيدعي الباقي ثبوت الزوجية؛ ليرث. هذا؛ والشيعة يوجبون الإشهاد على الفرقة؛ لأنهم يقولون: كما يجري العقد بين الزوجين بحضور شاهدين يجب أن يحل بحضور شاهدين، وهناك من يفتي على مذهبهم، ويقول بقولهم.
وعن عمران بن حصين-رضي الله عنه-أنه سئل عن رجل يطلّق امرأته، ثم يقع عليها، ولم يشهد على طلاقها، وعلى رجعتها، فقال:(طلّقت لغير سنة، وراجعت لغير سنّة، أشهد على طلاقها، وعلى رجعتها، ولا تعد). أخرجه أبو داود وابن ماجه.
هذا؛ والرجعة قبل الثلاث من حق الزوج، وليس للزوجة رأي، ولا اختيار، وعند الشافعي -رحمه الله تعالى-لا تكون الرجعة إلا بالقول:«راجعت زوجتي إلى عصمتي وعقد نكاحي».
ونحو ذلك ولا يشترط الفعل، وعند الإمام أحمد مثله فيما أظن، وعند الإمام مالك-رحمه الله تعالى-تكون الرجعة بالقول، والفعل معا، وعند أبي حنيفة تكون الرجعة بالفعل، ولا يشترط