للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥)}

الشرح: {وَاتْلُ:} اقرأ يا محمد. {عَلَيْهِمْ:} على اليهود. وقيل: على قومك. والمعتمد الأول. {نَبَأَ:} خبر. وانظر الآية رقم [١٠١]. {الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا:} لقد اختلف بالمقصود في هذا اختلافا كبيرا.

فقيل: اسمه بلعم بن باعوراء. وقيل: بلعام ابن باعر. وقيل: هو من قوم موسى. وقيل: هو من الكنعانيين، أوتي علم بعض كتب الله تعالى، فسأله بعض الكنعانيين أن يدعو على موسى وقومه فأبى. وهذا على القول بأن موسى-عليه السّلام-لم يمت في التيه، وأما على اعتباره مات في التيه، فيكون الدعاء على يوشع خليفة موسى الذي قاتل الجبارين بعد موسى، على نبينا، وعليهم جميعا أفضل صلاة، وأزكى تسليم. وقال: كيف أدعو على من معه الملائكة؟ فلم يزالوا به، وقدموا له أموالا كثيرة حتى رضي، وذهب معهم إلى الجبل المطل على موسى وقومه، وكان قد عزم على قتال الكنعانيين الجبارين، فأخذ بالدعاء على موسى وقومه، فلم يدع بشيء إلا صرف الله به لسانه على قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف الله به لسانه إلى بني إسرائيل، فقالوا له: يا بلعام! أتدري ما تصنع؟ إنما تدعو لهم، وتدعو علينا، فقال: هذا ما لا أملكه، هذا شيء غلب الله عليه، واندلع لسانه على صدره، فقال لمن ذهبوا به: ذهبت مني الدنيا والآخرة! والمراد ب‍: {آياتِنا:} العلم الذي علمه الله إياه. وقيل: هو الاسم الأعظم.

والمرجح: أنه من علماء بني إسرائيل. وانظر (نا) في الآية رقم [٧].

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص، وسعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم: نزلت هذه الآية في أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد قرأ الكتب القديمة، وعلم: أن الله يرسل رسولا في ذلك الوقت، وتمنى أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم حسده، وكفر به، وكان أمية صاحب شعر وحكمة ومواعظ حسنة، وهو الذي قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آمن شعره وكفر قلبه». وقيل: نزلت في أبي عامر الراهب بن صيفي، الذي سأذكره في الآية رقم [١٠٧] من سورة (التوبة). والمعتمد الأول.

{فَانْسَلَخَ مِنْها} أي: من معرفة الله تعالى، أي: نزع منه العلم الذي كان يعلمه، بعد أن كفر بها، ونبذها وراء ظهره. {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ:} فلحقه، وأدركه، وصار قرينا له، حتى أهلكه وقال الجمل: أي فصار قدوة، ومتبوعا للشيطان على سبيل المبالغة. وانظر شرح: {الشَّيْطانُ} في الاستعاذة؛ فإنه جيد. {فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ:} من الضالين الكافرين بسبب مخالفة أوامر ربه، وطاعة هواه وشيطانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>