خبر (أولئك) هذا؛ وإن اعتبرت الضمير فصلا ف:{الْفاسِقُونَ} خبر (أولئك) وعلى الوجهين فالجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدّسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحلّ محل المفرد، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، كما رأيت في الآية رقم [٦١] والجملة الاسمية: {فَمَنْ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.
الشرح:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ:} قال الكلبي-رحمه الله تعالى-: إن كعب بن الأشرف، وأصحابه اختصموا مع النّصارى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: أينا أحقّ بدين إبراهيم؟ فقال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:«كلا الفريقين بريء من دينه». فقالوا: لا نرضى بقضائك، ولا نأخذ بدينك.
فنزلت الآية الكريمة. والمراد بالاستفهام الإنكار، والتوبيخ. المعنى: أفبعد أخذ الميثاق عليهم، ووضوح الدلائل لهم: إنّ دين إبراهيم هو دين الله الإسلام؛ أي: أفغير دين الله تطلبون يا معشر اليهود، والنّصارى؟!.
{وَلَهُ أَسْلَمَ} أي: استسلم، وانقاد، وخضع، وذلّ، وكلّ مخلوق فهو منقاد، ومستسلم لله؛ لأنه مجبول على ما لا يقدر أن يخرج عنه. قال قتادة-رحمه الله تعالى-: أسلم المؤمن طوعا. والكافر عند موته كرها، ولا ينفعه ذلك لقوله تعالى في آخر سورة (غافر): {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا}. {مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} فيه تغليب العاقل على غيره، كما غلب غير العاقل على العاقل في غير ما موضع، مثل قوله تعالى:{لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}.
{طَوْعاً وَكَرْهاً:} الطّوع: الانقياد، والاتّباع بسهولة، والكره: ما كان بمشقّة، وإباء من النفس. وأحسن ما قيل في تفسيرها: إنّه لا سبيل لأحد من الخلق إلى الامتناع على الله في مراده، فأما المسلم؛ فينقاد لله فيما أمره، أو نهاه عنه طوعا، وأما الكافر، والفاجر؛ فينقاد لله كرها في جميع ما يقضي عليه، ولا يمكنه دفع قضائه، وقدره، وخذ قوله تعالى في سورة (الرّعد): {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ}. {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} أي: يرجع الخلق كلهم إلى الله يوم القيامة. ففيه وعيد عظيم، وتهديد شديد لمن خرج عن طاعته، وخالف أمره في الدنيا. هذا؛ وتقرأ الأفعال بالتاء، والياء. هذا؛ وبين {طَوْعاً} و ({كَرْهاً}) طباق، وهو من المحسّنات البديعيّة.
(غير): اسم شديد الإبهام ك «مثل» لا يتعرّف بالإضافة لمعرفة، وغيرها، ولا تدخل عليه (ال) وهو ملازم للإضافة، ويجوز أن يقطع عنها؛ إن فهم المعنى، أو تقدّمت عليها كلمة