للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ (١٨)}

الشرح: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} أي: لا أحد أظلم منهم لأنفسهم؛ لأنهم افتروا على الله كذبا، فأضافوا كلامه إلى غيره، وزعموا: أن له شريكا، وولدا، وقالوا للأصنام:

هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وفي الآية دليل على أن الكذب على الله من أعظم أنواع الظلم، وقد راعى لفظ (من) في الجملة الفعلية، وراعى معناها في الجملة الاسمية. {أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ} أي: المفترون على الله الكذب يعرضون على الله يوم القيامة ليحاسبهم على خبث أعمالهم. {وَيَقُولُ الْأَشْهادُ} أي: من الملائكة، والنبيين والعلماء الذي بينوا تعاليم الأنبياء، أو الأشهاد من جوارحهم، كما قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} والأشهاد: جمع شاهد، كأصحاب جمع: صاحب، أو جمع شهيد كأشراف جمع شريف.

{هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ} أي: في الدنيا، وهذه الفضيحة تكون لكل من كذب على الله.

عن صفوان بن محرز المازني، قال: بينما ابن عمر-رضي الله عنهما-يطوف بالبيت؛ إذ عرض له رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن! أخبرني ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النجوى، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يدنو المؤمن من ربّه عز وجل، حتّى يضع عليه كنفه، فيقرّره بذنوبه: تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: أعرف ربّ أعرف-مرّتين-فيقول: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأمّا الكفار، والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الخلائق: هؤلاء الّذين كذبوا على الله». انتهى. متفق عليه.

{أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ} أي: سخطه، وإبعاده من رحمته على الذين وضعوا العبادة في غير موضعها، هذا؛ وانظر ما ذكرته في حكم اللعن في الآية رقم [١٦١] من سورة (البقرة) أو الآية [٢٥] من سورة (الرعد)، وانظر (الظلم) في الآية رقم [٢٣] من سورة (يونس).

(يقول): القول يطلق على خمسة معان: أحدها: اللفظ الدال على المعنى. الثاني: حديث النفس ومنه قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا..}. إلخ. الثالث: الحركة والإمالة، يقال:

قالت النخلة؛ أي: مالت. الرابع: ما يشهد به الحال، كما في قوله تعالى: {قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} الخامس: الاعتقاد، كما تقول: هذا قول المعتزلة، وهذه مقالة الأشاعرة، أي: ما يعتقدونه، وانظر الكلام في الآية رقم [٥٤] من سورة (يوسف).

الإعراب: {وَمَنْ}: الواو: حرف استئناف. (من): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَظْلَمُ}: خبره، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {مِمَّنِ}: جار ومجرور

<<  <  ج: ص:  >  >>