للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابقة، وهو ممّا يضعف البدلية في {مَنْ} ويرجح اعتبارها مبتدأ. ولا يعزب عن بالك: أنه قد روعي لفظ {مَنْ} في رجوع الفاعل إليها، وروعي معناها في: (عليهم) و (لهم) وهو الجمع.

تأمّل.

{ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اِسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧)}

الشرح: {ذلِكَ:} الإشارة إلى غضب الله الذي استحقوه. وقيل: الإشارة إلى الكفر بعد الإيمان. {بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ:} اختاروا العاجلة الفانية على الآجلة الباقية وفضلوها عليها. {وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ} أي: لا يرشدهم إلى الإيمان، ولا يوفقهم للعمل به، وهذا يرجع إلى علمه الأزلي بأنهم لو تركوا، وشأنهم لما اختاروا غير الكفر. هذا؛ وقد وصف الله تعالى في هذه الآية وغيرها الحياة التي يحياها بنو آدم بالدنيا لدناءتها وحقارتها، وأنها لا تساوي عنده جناح بعوضة، ورحم الله من قال: [الكامل]

يا خاطب الدّنيا الدّنيّة إنّها... شرك الرّدى وقرارة الأكدار

دار متى ما أضحكت في يومها... أبكت غدا تبّا لها من دار

وانظر شرح الآخرة في الآية رقم [٣٠]، وشرح: {الْقَوْمَ} في الآية رقم [١٣]، و {الْكافِرِينَ} جمع: كافر، والكفر: ستر الحق بالجحود، والإنكار، وكفر فلان النعمة، يكفرها، كفرا، وكفورا، وكفرانا: إذا جحدها، وسترها، وأخفاها، وكفر الشيء: غطاه، وستره، وسمي الكافر كافرا؛ لأنه يغطي نعم الله بجحدها، وعبادته غيره، وسمي الزارع كافرا؛ لأنه يلقي البذر في الأرض، ويغطيه ويستره بالتراب، قال تعالى في تشبيه حال الدنيا {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ} وسمي الليل كافرا؛ لأنه يستر كل شيء بظلمته. قال لبيد بن ربيعة الصحابي-رضي الله عنه-في معلقته: [الكامل]

حتّى إذا ألقت يدا في كافر... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها

الإعراب: {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {بِأَنَّهُمُ:} الباء: حرف جر. (أنهم): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها، والميم علامة جمع الذكور. {اِسْتَحَبُّوا:} ماض، والواو فاعله والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أنّ). {الْحَياةَ} مفعول به. {الدُّنْيا:} صفة لها منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر. {عَلَى الْآخِرَةِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {ذلِكَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. (أن): حرف مشبه بالفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>