والوصل، والعطف، والاستئناف، والإضمار، والإظهار، والحذف، والتكرار، ونحوها، وإنما سمّي به: أما بعد؛ لأنه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: هو الخطاب القصد، الذي ليس فيه اختصار مخل، ولا إشباع ممل، كما جاء في صفة كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم:«فصل لا نذر ولا هذر». انتهى. بيضاوي. وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-هو قوله عليه السّلام:«البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر».
تنبيه: روي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن رجلا من بني إسرائيل ادعى على رجل من عظمائهم عند داود عليه السّلام فقال: إن هذا غصبني بقرة، فسأله داود، فجحده، فسأله الآخر البينة، فلم يكن له بينة، فقال لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما، فأوحى الله إلى داود في منامه أن يقتل المدّعى عليه، فقال: هذه رؤيا، ولست أعجل عليه حتى أثبت فيها، فأوحى إليه مرة أخرى، فلم يفعل، فأوحى إليه الثالثة أن يقتله، أو تأتيه العقوبة، فقال له: إن الله أوحى إلى أن أقتلك، فقال: تقتلني بغير بينة؟! فقال: نعم والله لأنفذن أمر الله فيك، فلما عرف الرجل: أنه قاتله، قال: لا تعجل حتى أخبرك، إني والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت اغتلت والد هذا، فبذلك أخذت، فأمر به داود فقتل، فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك لداود، واشتد به ملكه، فذلك قوله تعالى:{وَشَدَدْنا مُلْكَهُ}. انتهى. خازن بحروفه.
الإعراب:{وَشَدَدْنا:} الواو: حرف عطف. (شددنا): فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{سَخَّرْنَا..}. إلخ فهي في محل رفع مثلها. {مُلْكَهُ:} مفعول به، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. (آتيناه): فعل، وفاعل، ومفعول به أول، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع أيضا. {الْحِكْمَةَ:} مفعول به ثان. {وَفَصْلَ:}
معطوف عليه، و (فصل) مضاف، و {الْخِطابِ} مضاف إليه.
الشرح:{وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ:} هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والاستفهام ليس على حقيقته، وإنما هو للتعجب، والتشويق للسامع إلى ما يلقى إليه، كما تقول لجليسك: هل تعلم ما وقع اليوم؟ تريد تشويقه لسماع كلامك. والمعنى: هل أتاك يا محمد خبر الجماعة المتنازعين، الذين تسوروا على داود سور محرابه، ومسجده في وقت اشتغاله بالعبادة والطاعة؟ والخصم في الأصل مصدر، ولذلك أطلق على الجمع. والسور: الحائط المرتفع. والمحراب: الغرفة، أو المسجد، أو صدر المسجد، والمحراب: محل العبادة، سمي بذلك؛ لأنه محل محاربة الشيطان لأن المتعبد فيه يحاربه، وهو الآن المحل الذي يقف فيه الإمام حين أداء الصلوات المفروضة.