للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصدر لفاعله. {إِلاّ:} حرف حصر. {فِي ضَلالٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، وهي محتملة لأن تكون من كلام الخزنة، وأن تكون من كلام الله تعالى إخبارا لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، وهو الأنسب لما بعده، وهو قول الجلال؛ أي: إنها في محل نصب مقول القول لقول محذوف. وقيل في محل نصب حال، ولا يؤيده المعنى البتة.

{إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١)}

الشرح: {إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا} أي: بالحجة، والظفر، والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال، والقتل، وغير ذلك من العقوبات. ولا يقدح في ذلك ما قد يتفق لهم من صورة الغلبة امتحانا، فإن العبرة إنما هي بالعواقب، وغالب الأمر، وقد نصرهم الله بالقهر على من عاداهم، وأهلك أعداءهم، كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل، فإنه قتل به سبعون ألفا، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٧٢] من سورة (الصافات)، وفي سورة (الروم) رقم [٤٧]. {وَالَّذِينَ آمَنُوا} أي: كذلك منصورون بعون الله وفاء بوعده، جلت قدرته، وتعالت حكمته. {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ:} المراد بهم من يقوم يوم القيامة للشهادة على الناس من الملائكة، والأنبياء، والعلماء، والمؤمنين، يشهدون للأنبياء بالإبلاغ، وعلى الأمم بالتكذيب. ثم {الْأَشْهادُ} جمع:

شهيد، مثل: شريف، وأشراف. وقال الزجاج: جمع: شاهد، مثل: صاحب، وأصحاب. وقال النحاس: ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال، ولا يقاس عليه، ولكن ما جاء منه مسموعا أدّي كما سمع، وكان على حذف الزوائد. انتهى. قرطبي. هذا؛ والكثير أن يجمع شاهد على:

شهداء، ولم يجمع على أشهاد إلا في هذه السورة، وفي الآية رقم [١٨] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ وقد عدّ محمد علي الصابوني-جزاه الله خيرا-في كتابه: (التبيان في علوم القرآن) من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم الوفاء بالوعد في كل ما أخبر عنه، وكل ما وعد الله به عباده، قال: وهذا الوعد ينقسم إلى قسمين: وعد مطلق، ووعد مقيد، فالوعد المطلق كوعده بنصر رسوله، وإخراج الذين أخرجوه من وطنه، ونصر المؤمنين على الكافرين. وقد تحقق ذلك كله، وذكر مطلع سورة (الفتح) وسورة (النصر) بكاملها، والآية التي نحن بصدد شرحها، ثم قال: ومن الوعد المطلق قوله جل ثناؤه في سورة (الروم) رقم [٤٧]: {وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وقد تحقق نصر المؤمنين في مواطن عديدة: في بدر، والأحزاب، وحنين، وغير ذلك من المعارك العظيمة؛ التي شهدها تاريخ الإسلام. وذكر آيات (الأنفال) ثم قال: ومن الوعد المطلق أيضا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ..}. رقم [٣٣] من سورة (التوبة) ورقم [٢٨] من سورة (الفتح)، ورقم [٩] من سورة (الصف).

<<  <  ج: ص:  >  >>