للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا محل لها على الاعتبارين. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، والجملة بعده صلته، لا محل لها. {فِي سَبِيلِهِ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {صَفًّا:} حال بمعنى: مصطفين، أو صافين، فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، وصاحب الحال: واو الجماعة. {كَأَنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {بُنْيانٌ:} خبر (كأن). {مَرْصُوصٌ:} صفة له، والجملة الاسمية في محل نصب حال من الضمير المستتر في {صَفًّا،} فهي حال متداخلة. وإن اعتبرتها حالا من واو الجماعة، فهي حال متعددة.

{وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥)}

الشرح: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ:} لما ذكر الله أمر الجهاد؛ بيّن أن موسى، وعيسى-على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-أمرا بالتوحيد، وجاهدا في سبيل الله، وحل العقاب بمن خالفهما؛ أي: واذكر لقومك يا محمد هذه القصة. {يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ} أي: لم توصلون الأذى إلي؛ وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة؟! وفي هذا تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما أصابه من كفار مكة. هذا؛ وأنواع الإيذاء التي آذى بها بنو إسرائيل موسى كثيرة، لا تعدّ ولا تحصى، منها: قولهم: {أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً،} وقولهم: {لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ} وقولهم: {اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ،} وقولهم:

{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ} وقولهم: (إنّك يا موسى قتلت هارون). ومنها:

ما ذكر في قصة قارون: أنه دس إلى امرأة تدعي على موسى الفجور كما رأيت في سورة (القصص). ومنها: أنهم رموا موسى بالأدرة. انظر ما ذكرته في الاية رقم [٦٩] من سورة (الأحزاب) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

تنبيه: من المشهور عند أهل العربية: أن «قد» تصحب الماضي لتقربه من الحال، وإذا صحبت المضارع، فإنها تفيد التقليل، مثل قولهم: (إن الكذوب قد يصدق) ولكنها هنا جاءت مع المضارع للتكثير؛ أي: لتكثير علمهم؛ أي: تحقيق تأكيده على عكس معناها الأصل في التقليل، وإذا اعتبرت الفعل: {تَعْلَمُونَ} بمعنى علمتم زال الإشكال.

{فَلَمّا زاغُوا} أي: مالوا عن الحق وعدلوا عنه. {أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ:} عن الهداية، والتوفيق لصالح الأعمال، وأودع فيها الشك، والحيرة، وعدم الاهتداء. قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٨٦]: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}. وقال في سورة (يونس) رقم [١١]: {فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}. وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [١١٥]: {وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>