للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاِجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦)}

الشرح: {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} أي: كما بعثنا فيكم محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسولا. {أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} أي: تأمرهم الرسل بعبادة الله، واجتناب عبادة الأصنام، والأوثان. {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ:} وفقه للإيمان. {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} أي: ومن الأمم من وجبت عليه الضلالة بالقضاء السابق في الأزل حتى مات على الكفر والضلال، وفي هذه الآية أبين دليل على أن الهادي والمضل هو الله تعالى؛ لأنه المتصرف في عباده، فيهدي من يشاء، ويضل من يشاء، لا اعتراض لأحد عليه بما حكم به في سابق علمه. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٧] من سورة (الرعد) تجد ما يسرك. {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ:} يا معشر قريش. {فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي: فسيروا في الأرض معتبرين متفكرين؛ لتعرفوا مآل من كذب الرسل، وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك، ولتعرفوا: أن الهلاك نازل بكم إن أصررتم على الكفر، والتكذيب كما نزل بهم.

بعد هذا ف‍: «أمّة» بمعنى: جماعة، تكون واحدا إذا كان يقتدى به، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ} وانظر الآية رقم [١٢٠] الآتية و «الأمة» الطريقة، والملة، والدين، كقوله تعالى حكاية عن قول المشركين: {إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} وكل جنس من الحيوان أمة، كقوله تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} و «الأمة»:

الحين، والوقت، كقوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي: بعد وقت وحين.

{اُعْبُدُوا:} العبادة هي غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى، ولذا يحرم السجود لغير الله تعالى. وقيل: العبودية أربعة: الوفاء بالعهود، والرضا بالموجود، والحفظ للحدود، والصبر على المفقود. وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: يقول الله تعالى: «أنا والإنس والجنّ في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري».

{الطّاغُوتَ:} هو الأصنام، أو الشيطان، أو الكاهن، أو كل من دعا إلى الضلال، وصدّ عن عبادة الله تعالى، مثل: كعب بن الأشرف اليهودي المنوّه به في الآية رقم [٦٠] من سورة (النساء) وهو يطلق على المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، وقد يجمع على: طواغيت، واشتقاقه من: طغى، يطغى، أو من: طغا، يطغو، وقد طلب الله في غير ما آية الكفر بالطاغوت، وهو: عدم الرضا به.

<<  <  ج: ص:  >  >>