الرئيس من المخلوقين لا يباشر شيئا بيده إلا على سبيل الإعظام، والتكرم. وقيل: أراد باليد:
القدرة، ويدل عليه: أن الخلق لا يقع إلا بالقدرة بالإجماع، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٧] من هذه السورة. وفي الواقع تغليب اليدين على غيرهما من الجوارح؛ التي تباشر بها الأعمال؛ لأن صاحب اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه؛ حتى قيل في عمل القلب: هو مما عملت يداك على المجاز، وحتى قيل في المثل: يداك أوكتا، وفوك نفخ.
{أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ} أي: استكبرت، وتعظمت بنفسك حين أبيت السجود لآدم، أم كنت من القوم الذين يتكبرون، فتكبرت لهذا؟ وهو تقرير، وتوبيخ، وتقريع، وانظر شرح {أَصْطَفَى} في الآية رقم [١٥٣] من سورة (الصافات).
الإعراب: {قالَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الله). (يا): أداة نداء تنوب مناب:
أدعو. (إبليس): منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب ب: (يا). {ما:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {مَنَعَكَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى: {ما،} والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {تَسْجُدَ:} فعل مضارع منصوب ب: {أَنْ،} والفاعل مستتر تقديره: «أنت». و {أَنْ تَسْجُدَ} في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: من السجود لآدم، أو هو في محل نصب مفعول به ثان. {لِما:} اللام: حرف جر. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، ولا تنس: أنه استعمل (ما) للعاقل، والجملة الفعلية بعدها صلتها، والعائد محذوف، التقدير: للذي خلقته. {بِيَدَيَّ:}
جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، وياء المتكلم ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {أَسْتَكْبَرْتَ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري توبيخي. (استكبرت): فعل، وفاعل، والمتعلق محذوف. {أَمْ:} حرف عطف.
{كُنْتَ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {مِنَ الْعالِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (كان)، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، والآية بكاملها في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)}
الشرح: {قالَ} أي: إبليس. {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ:} وهي جوهر نوراني لطيف.
{وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ:} وهو جسم كثيف ظلماني، وقد أخطأ الخبيث، بل الطين أفضل لرزانته، ووقاره، ومنه: الحلم، والحياء، والصبر، وذلك داع إلى التوبة، والاستغفار، وفي النار:
الطيش، والحدّة، والترفع، وذلك داع إلى الاستكبار، والتراب عدة الممالك، والنار عدة