للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة: {جَعَلُوا..}. إلخ صلة الموصول، لا محل لها.

{فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤)}

الشرح: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ:} أقسم الله بنفسه: أنه يسأل هؤلاء المقتسمين الذين مرّ ذكرهم. {عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ} أي: من الكفر، والمعاصي، والمنكرات. هذا؛ وقيل: يسألون عن قول لا إله الا الله، دليله ما رواه أنس بن مالك-رضي الله عنه-، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {فَوَ رَبِّكَ..}. إلخ قال: عن قول: لا إله إلا الله. قال أبو عبد الله: معناه: عندنا:

عن صدق لا إله إلا الله، ووفائها، والتصديق بها، والعمل بمقتضاها، كما قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: ليس الإيمان بالتّحلّي، ولا الدّين بالتمنّي، ولكن ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله إلاّ الله مخلصا دخل الجنّة». قيل:

يا رسول الله! وما إخلاصها؟ قال: «أن تحجزه عن محارم الله». رواه زيد بن أرقم-رضي الله عنه-. وانظر ما ذكرته من الاحتراس في الآية رقم [٣١] من سورة (الرعد).

قال القرطبي: والآية بعمومها تدل على سؤال الجميع، ومحاسبتهم، كافرهم، ومؤمنهم.

وفي سؤال الكافر ومحاسبته خلاف بين العلماء، والذي يظهر سؤاله؛ لقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} وقوله: {إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ،} فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} وقال: {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ؟}. قلنا: القيامة مواطن، فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك فيه. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-لا يسألهم سؤال استخبار، واستعلام، ولكن يسألهم سؤال تقريع، وتوبيخ، فيقول لهم:

لم عصيتم القرآن؟ وما حجتكم فيه؟. انتهى. بتصرف كبير. قال ابن عادل: وأليق الوجوه بهذه الآية الاستعتاب لقوله تعالى: {ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} وقوله تعالى: {هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}.

{فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ..}. إلخ: أي: اجهر بالدعوة إلى الله، وإلى عبادته، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو إلى الله مستخفيا في دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ حتى نزلت الآية الكريمة، فصعد على الصفا، ونادى: يا معشر قريش! فهرعوا إليه، فقال لهم: «لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ؟». قالوا: ما جرّبنا عليك كذبا، فقال لهم: «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} أي: اكفف عنهم، ولا تلتفت إلى لومهم على إظهار

<<  <  ج: ص:  >  >>