دينك، وتبليغ رسالتك، ولا تكترث باستهزائهم، ولا تخف أحدا غيري، فإني أنا كافيك، وحافظك ممّن عاداك، وهو ما تفيده الآية التالية.
ويروى: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لهم حين اجتمعوا إليه: «إنّ الرّائد لا يكذب أهله، وإنّي لو كذبت الناس جميعا؛ ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعا؛ ما غررتكم، والله الّذي لا إله إلاّ هو إنّي لرسول الله، إليكم خاصّة، وإلى الناس كافّة! والله لتموتنّ كما تنامون ولتبعثنّ كما تستيقظون، ولتحاسبنّ بما تعملون، ولتجزونّ بالإحسان إحسانا، وبالسّوء سوءا! وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا». والرائد: هو الذي يرسله أهله ليبحث لهم عن مرعى، وماء لمواشيهم. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢١٤] من سورة (الشعراء) إن أردت الزيادة.
هذا وفي قوله تعالى:{فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ} استعارة مكنية، فالمستعار منه: الزجاجة، والمستعار: الصدع، وهو الشق، والمستعار له هو إرشاد المكلفين من بني آدم، وهو من استعارة المحسوس للمعقول، والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصديع في القلوب، فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبض، والانبساط، ويلوح عليها من علامات الإنكار، والاستبشار كما يظهر ذلك على ظاهر الزجاجة المصدوعة.
ويروى: أن بعض الأعراب لما سمع هذه الآية؛ سجد، فقيل له: لم سجدت؟ فقال:
سجدت لبلاغة هذا الكلام.
الإعراب:{فَوَ رَبِّكَ:} الفاء حرف استئناف. الواو: حرف قسم وجر. (ربك): مقسم به مجرور، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {لَنَسْئَلَنَّهُمْ:} اللام: واقعة في جواب القسم. (نسألنهم): مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة التي هي حرف لا محل له، والفاعل مستتر تقديره:«نحن»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له. {أَجْمَعِينَ:} توكيد للضمير المنصوب منصوب، وعلامة نصبه الياء... إلخ. {عَمّا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما):
تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب:(عن)، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير:
عن الذي، أو عن شيء كانوا يعملونه، وعلى اعتبار (ما): مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر ب: (عن)، التقدير: عن عملهم. {كانُوا:} ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق، وجملة:{يَعْمَلُونَ} في محل نصب خبر (كان). {فَاصْدَعْ:} الفاء: هي الفصيحة، وانظر الآية رقم [٦٨](اصدع): أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت». {بِما:} متعلقان بالفعل قبلهما، وقل فيهما ما قلته في:{عَمّا}. {تُؤْمَرُ:} مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل