للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قبله. {مِنَ النّارِ:} متعلقان بمحذوف صفة: {جَذْوَةٍ،} وجملة: {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} بمنزلة البدل من سابقتها، وإعرابها غير خاف؛ إن شاء الله تعالى.

{فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠)}

الشرح: {فَلَمّا أَتاها:} يعني: الشجرة، قدّم ضميرها عليها. {نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ} أي: من جانب الوادي الذي عن يمين موسى، وهو صريح قوله تعالى في سورة (مريم): {وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} وإن الجبل، والوادي لا يمين لهما، ولا شمال كما هو معروف، والشجرة المذكورة كانت نابتة على الشاطئ، وشاطئ الوادي، وشطه: جانبه، والجمع شطّان، وشواطئ ذكره القشيري، وقال الجوهري: ويقال: شاطئ الأودية، ولا يجمع. {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ:}

جعلها الله مباركة؛ لأن الله كلم موسى هناك، وبعثه نبيا، وقيل: يريد: البقعة المقدسة.

{مِنَ الشَّجَرَةِ} أي: من ناحية الشجرة. قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: كانت سمرة خضراء تبرق، وقيل: كانت عوسجة. وقيل: كانت من العليق. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: إنها العناب. وقيل: إن موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-لما رأى النار في الشجرة الخضراء علم: أنه لا يقدر على الجمع بين النار، وخضرة الشجرة إلا الله تعالى، فعلم بذلك أن المتكلم هو الله تعالى. وقيل: إن الله تعالى: خلق في نفس موسى علما ضروريا بأن المتكلم هو الله تعالى، وأن ذلك الكلام كلام الله تعالى. وقيل: إنه قيل لموسى:

كيف عرفت أنه نداء الله تعالى؟ قال: إني سمعته بجميع أجزائي، فلما وجد حس السمع من جميع الأجزاء؛ علم بذلك: أنه لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى. انتهى. خازن.

قال المهدوي: كلم الله تعالى موسى من فوق عرشه، وأسمعه كلامه من الشجرة على ما شاء، ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بالانتقال، والزوال، وشبه ذلك من صفات المخلوقين.

وقال أبو المعالي: وأهل المعاني، وأهل الحق، يقولون: من كلمه الله تعالى، وخصه بالرتبة العليا، والغاية القصوى، فيدرك كلامه القديم المتقدس عن مشابهة الحروف، والأصوات، والعبارات، والنغمات، وضروب اللغات، كما أن من خصه الله بمنازل الكرامات، وأكمل عليه نعمته، ورزقه رؤيته يرى الله منزها عن مماثلة الأجسام وأحكام الحوادث، ولا مثل له سبحانه في ذاته، وصفاته. انتهى. قرطبي.

{يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ:} وفي سورة (طه) قوله تعالى: {يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ..}. إلخ، وفي سورة (النمل) {يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} والمعنى واحد، واختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>