للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلة. {شِرْكٍ:} مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، والجملة الاسمية: {وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} معطوفة عليها، لا محل لها أيضا، وإعرابها مثلها بلا فارق.

{وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)}

الشرح: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أي: لعظمته، وجلاله، وكبريائه، لا يجترئ أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء؛ إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال عز وجل:

{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ،} وقال جل وعلا: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى،} وقال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}.

ولهذا ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم-وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند الله تعالى-أنه حين يقوم المقام المحمود؛ ليشفع في الخلق كلهم، قال: «فأسجد لله تعالى، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ويفتح عليّ بمحامد لا أحصيها الآن، ثمّ يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعط، واشفع تشفّع...». الحديث بتمامه موجود في كتاب:

«الترغيب والترهيب».

{حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ} وهذا أيضا مقام رفيع في العظمة، وهو: أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، فسمع أهل السموات كلامه؛ أرعدوا؛ حتى يلحقهم مثل الغشي، قال ابن مسعود-رضي الله عنه- {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي: زال الفزع عنها. وقال ابن عباس، والضحاك، والحسن، وقتادة-رضي الله عنهم-في قوله عز وجل: {حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ..}. إلخ يقول: خلّي عن قلوبهم الفزع، فإذا كان كذلك؛ سأل بعضهم بعضا: {ماذا قالَ رَبُّكُمْ} فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم؛ حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا، ولهذا قال تعالى: {قالُوا الْحَقَّ} أي: أخبروا بما قال من غير زيادة، ولا نقصان {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}.

وقال آخرون: بل معنى قوله تعالى: {حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يعني: المشركين عند الاحتضار، ويوم القيامة إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، قالوا: ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم: الحق، وأخبروا بما كانوا عنه لاهين في الدنيا. قال مجاهد: {حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ:} كشف عنها الغطاء يوم القيامة. وقال الحسن: {حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يعني: ما

<<  <  ج: ص:  >  >>